هَيَا عبد الرحمن الحبيب
المولد والنشأة
ولدت المحسنة هيا عبد الرحمن علي الحبيب في دولة الكويت في السادس والعشرين من رمضان عام ١٣٥٣هـ الموافق للأول من يناير عام ١٩٣٥م، في أسرة تتكون من أب وأم وإخوة وأخوات، يربطهم الدفء العائلي وحب الخير وبذل المعروف والإحسان إلى الخلق ابتغاء مرضاة الله؛ فتشربت المحسنة هذه الصفات الكريمة.. التي سطرت من خلالها صفحات من نور في كتاب الإحسان في كويت الخير.
أوجه الإحسان في حياتها :
ليس غريبا على من تحلت بمحاسن الأخلاق وكريم السجايا والصفات.. أن تكون من المحسنات الباذلات في سبيل الله؛ فهي بحق نموذج مشرف للمرأة الكويتية، وهي من الشخصيات التي أنعم الله عليها بحب الخير، فوقفت وحبست كثيرا من أموالها حسبة لوجه الله ، وتنفيذا لأمره عز وجل القائل: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ (البقرة : (۱۹۵).. ومن أوجه الإحسان في حياتها :
أولا : الوقف الخيري على المساجد:
شرع الإسلام الوقف، وندب إليه، وحث عليه، وجعله من القُرب التي يتقرب بها العبد إلى مولاه؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ». [رواه ابن ماجه (٢٤٢)، وحسنه الألباني].
ولذا فقد أوقفت رحمها الله في السادس والعشرين من يوليو عام ١٩٩٨م العقار الواقع في القسيمة رقم ٥ مخطط م / ٣٢٩٤٩ ومساحته ١٠١٤ مترا في منطقة حولي الواقعة في القطعة رقم ۱۱۸ ، والمسجل بموجب الوثيقة العقارية رقم ( ٨٥٧٧) ، وسجلت ذلك الوقف في إدارة التوثيقات الشرعية بالمحكمة الكلية بوزارة العدل بموجب حجية الوقف رقم ۱۹۹۸/٢٦ ، واشترطت أن يُصرف ريعه على مصالح مسجد هيا الحبيب الذي أسسته رحمها الله بمنطقة الجابرية، وما زاد عن ذلك ينفق في صيانة وإعمار وتجديد عقار هذا الوقف ضمانا لاستمراريته وبقائه، وقد عينت الأمانة العامة للأوقاف ناظراً على هذا الوقف يدير شؤونه ويرعى مصالحه بما يحقق شروط الواقف، ومن ذلك شراء عقار بديل يكون حكمه كحكمه وشرطه كشرطه.
ثانيا : وقف عموم الخيرات العشيات والضحايا والنوافل)
ولحرصها يرحمها الله على نيل الأجر والثواب العظيم الوارد في فضل الوقف، سارعت بعد عام واحد من وقفها الأول بتقديم وقف آخر لا يقل قيمة عنه إلى أحد مصارف الخير في الأمانة العامة للأوقاف وهو مصرف عموم الخيرات حيث يكون لها نصيب في جميع أعمال الخير التي تقوم بها الأمانة عملاً بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : « مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» رواه مسلم في صحيحه.
فقد وقفت رحمها الله بموجب حجة الوقف رقم ٤٧ بتاريخ ١٩٩٩/١٠/٢٤م البناية الواقعة في منطقة حولي، والمسجلة بالوثيقة العقارية رقم ١٩٩٩/١٣٥٨٦م. واشترطت أن يُصرف ربع هذا الوقف على عشيات وضحايا ونوافل في وقتها، وفطور للصائمين في شهر رمضان المبارك، وأن تكون وقفا كذلك على كل نافلة في مسجد هيا عبد الرحمن الحبيب الواقع في الجابرية قطعة ، وكذلك وقفا على من يحج في وقت الحج من غير القادرين.
راجية أن يعود أجر وثواب كل ذلك لها ولوالدها ووالدتها وعمتيها لطيفة ونورة علي الحبيب، واشترطت أن تكون النظارة - في هذا الوقف للأمانة العامة للأوقاف، تستثمره وتنفق ريعه بعمارة وإصلاح الوقف بما يحقق البقاء والاستمرارية، وإذا ثمن العقار أو بيع لأي سبب من الأسباب يستبدل به عقار غيره يكون حكمه كحكمه وشرطه كشرطه، وقفا صحيحا شرعيا لا يباع ولا يوهب ولا يورث جعل الله تعالى هذه الأوقاف وهذه الأعمال الخيرية في میزان حسناتها يوم لا ينفع مال ولا بنون.
ثالثا : بناء مركز هيا الحبيب للجهاز الهضمي
عملا بقول الله تعالى: ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ (الحج: (۷۷) ... تبرعت المحسنة هيا الحبيب بمليوني دينار لوزارة الصحة لبناء مركز للجهاز الهضمي (وهو ما أشرنا إليه منذ قليل، وقد تأسس المركز الملحق بمستشفى مبارك على أرض مساحتها ١٥٠٠م٢ ، فيما بلغت مساحته الإنشائية ٧٠٠٠م٢، وبلغت تكاليفه الإجمالية الفعلية ۲۳۳۸۰۰۰ د.ك مليونين وثلاثمائة وثمانية وثلاثين ألف دينار كويتي.
وقد افتتح المركز بعد ثماني سنوات من التبرع ( في ٢٨ محرم ١٤٣٤هـ الموافق ۱۲ ديسمبر (۲۰۱۲م)، وبعد ثلاث سنوات من وفاتها ؛ حيث شاء الله تعالى أن تنتقل إلى الرفيق الأعلى قبل أن تتحقق أمنيتها برؤية هذا المركز.
ويعد المركز نقلة نوعية في مجال الجهاز الهضمي، لا سيما بعد تجهيزه بأحدث الأجهزة والتقنيات الطبية، ويعد الأول في الكويت المتضمن لخدمة «الملف الإلكتروني للمرضى، والثاني على مستوى الكويت المتخصص في مجال الجهاز الهضمي، وهو يتألف من ثلاثة طوابق وسرداب، تتضمن قسما خاصا بالمناظير وأجنحة للرجال وأخرى للنساء، بطاقة استيعابية ٥٢ سريرا .
رابعاً : مسجد هيا عبد الرحمن الحبيب بالجابرية
رغبة من المحسنة الكريمة في أن يبني الله لها بيتًا في الجنة مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة» (مسند الإمام أحمد ) .. تبرعت رحمها الله بمبلغ ٥٠٠٠٠٠ دك نصف مليون دينار كويتي لبناء مسجد في القطعة التاسعة شارع ۲۰ بمنطقة الجابرية في دولة الكويت عام ١٤١٨هـ الموافق لعام ۱۹۹۷م، وأطلق عليه اسم مسجد هيا عبد الرحمن الحبيب بالجابرية.
خامسا : البذل في أوجه الخير المختلفة
كانت المحسنة هيا الحبيب - رحمها الله تسارع إلى أوجه الخير أينما كانت.. وكأنها في سباق إلى مرضاة الله تعالى القائل : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) سورة آل عمران: 133، 134.
ولذا قدمت (أم الكويت) مشاريع خاصة بأهل الكويت، فكانت تبحث عن المساجد والمدارس لتقوم بصيانتها، وتدعم مشاريع الأضاحي.
وكانت تتبرع لوزارة الشؤون الاجتماعية لكفالة الأيتام والأرامل والعجزة. وكانت تتواصل مع الأسر الكويتية المحتاجة والفقيرة وتسد ديونها، فكم أخرجت من السجناء وساعدت المرضى، وكانت على تواصل مستمر مع مكتب الإخصائي الاجتماعي والنفسي في المدارس لدعم الفقراء والمحتاجين وأبناء المطلقين.
ونورد هنا شهادة أحد العاملين معها في توزيع صدقاتها واسمه محمد علي كان يقوم بتوصيل صدقاتها للفقراء والأسر المتعففة بأنها لم تتوان رحمها الله عن السؤال عن الفقراء والمحتاجين لتلبية احتياجاتهم سرا حتى وفاتها رحمها الله.
سادسا : وقف مائة ألف دينار
ولأن المحسنة هيا الحبيب رحمها الله أيقنت أن أفضل الصدقات أنفعها وأدومها، ولا يتأتى هذا إلا إذا كانت الصدقة مضمونة البقاء، تقوم على أساس، وتنشأ لهدف معين، وترمي إلى غاية شرعية خيرة؛ فاتجهت - رحمها الله إلى الوقف مرة أخرى، وأوقفت - رحمها الله من حر مالها مبلغ ۱۰۰۰۰۰ د.ك مائة ألف دينار كويتي لينفق من ريعه في كافة أعمال الخير والبر التي تشمل الفقراء والمساكين ودور العبادة ودور العلم والمعاهد الشرعية، والمستشفيات، وما إلى ذلك من أغراض أخرى يصعب حصرها.
سابعا : وصية بثلث تركتها بعد وفاتها :
يقصد بالوصية التبرع بعد الموت بالثلث أو بأقل من الثلث، وسمي هذا النوع بالوصية؛ لأن الموصي قد وصل به خير عقباه بخير دنياه، والوصايا والأثلاث تدخلان ضمن باب الصدقة الجارية مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثلاث: صدقة . جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يَدْعُو له، (سنن الترمذي). ولذا فقد أوصت المحسنة هيا الحبيب رحمها الله بثلث تركتها، على أن ينفق منه في أوجه الخير والبركافة. وتقوم الأمانة العامة للأوقاف بالنظارة على هذا الوقف كما يروي موثق هذه السيرة العطرة ابن أخيها السيد جمال الحبيب الذي اقترح على الأمانة العامة للأوقاف أن تقيم من ربع هذا الثلث مشروعاً خيرياً ينفع المسلمين في إحدى الدول الإفريقية ليكون صدقة جارية لها إلى ما شاء الله تعالى.
وفاتها:
وبعد هذه الرحلة الثرية في العطاء والبذل وفعل الخير في صور شتى ونواح عدة توفيت المحسنة هيا الحبيب في الخامس عشر من شهر ذو الحجة عام ١٤٢٠هـ الموافق للثاني من ديسمبر ۲۰۰۹م.. وحضر جنازتها جمع غفير من الناس، امتلأت بهم المقبرة. رحمها الله وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصدر:
سلسلة مُحسنون من بلدي. إصدار بيت الزكاة - الكويت، الجزء الحادي عشر، 2016م.
الموقع الإلكتروني:
https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%2011.pdf