فهد عبدالمحسن فهد النفيسي

المولد والنشأة
في عام 1930م وفي بيت العائلة الكبير "منزل عائلة النفيسي" كان مولد السيد فهد النفيسي صاحب الشخصية الكويتية العصامية حيث نشأ يتيماً وحفر في الصخر وشق طريقه معتمداً على ربه ومن بعده سبحانه على نفسه ولم يكن لديه أي رأس مال يذكر وكان كل ما لديه هو الأمانة والخلق الحسن والصدق في المعاملة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "التاجر الصدوق مع النبيين والشهداء " الحديث . رواه مسلم .
وكان السيد فهد النفيسي يعيش في بيت جده وكان والده يعمل "طواشاً" يجمع اللؤلؤ ويبيعه، كانت لديه سفينة صغيرة "جالبوت" يستخدمها في جمع اللؤلؤ ويبيعه ، وكان مقر عمله بمدينة "الجبيل" بالسعودية يذكر عنه أنه عندما يرجع إلى الكويت يحضر معه الهدايا لأهل بيت العائلة وقد كان ابنه عبدالمحسن النفيسي – رحمه الله – والد السيد فهد رجلاً كريماً ولا عجب بذلك أن يكون مثل أبيه وأن يرث منه هذا الكرم .
وقد كانت حياة فهد صعبة جداً حيث توفى والده عبدالمحسن عام 1940م وكان عمره آنذاك عشر سنوات ومما يرويه السيد فهد النفيسي في هذا الأمر أنه "حلم" بوفاة أبيه قبل وفاته بيومين ورأى في منامه كل ما حدث لوالده قبل وفاته وبعدها ، وكان يستشعر المثل الكويتي الذي يقول : (اللي يموت أبوه قبل جده يحط إيده على خده) حيث لا ورث له ، وبعد الدلال والعز "والهدوم الزينة" ، انتهى كل هذا لأنه لا ورث له بوجود جده على قيد الحياة – كما يروي عن نفسه .
تعليمه :
كان السيد فهد النفيسي عصامياً حتى في تعليمه ، ولا نقصد هنا أنه علم نفسه بنفسه ولكي نقصد أنه اعتمد على نفسه في تدبير تكاليف تعليمه وكانت رحلته مع التعليم قد بدأت عندما ذهب إلى الملا مرشد وقال له : أنه يرغب في الدراسة وأنه يتيم وأعطى للملا مرشد روبيه فضة وسأله عن الكتب المطلوبة والدفاتر حتى يوفرها لنفسه .
وقد كان السيد فهد النفيسي مجتهداً جداً في دراسته وقد أثنى عليه كل من قام بتعليمه فقد كان سريع الحساب مثل الحاسوب (الكمبيوتر) – كما يروي هو عن نفسه – ويقول في ذلك الأمر : أنهم كانوا في الفصل يجلسون على الأرض حفاة القدمين وكان يكتب نتائج المسائل الحسابية على رجليه ويضعها وراءه ، فكان الطلبة الكسالى ينقلون النتيجة ، وقد رآهم الملا في إحدى المرات فقام بمعاقبة الأولاد الكسالى بضربهم "الفلقة" ولكنه لم يضربه هو وسامحه لعلمه بكونه يتيماً .
ولم تُشبع هذه الدراسة رغبة السيد فهد النفيسي الكبيرة في التعليم حيث كان مجتهداً وطموحاً جداً فكان يدرس عند الملا مرشد في أول اليوم ثم يذهب إلى عمله الذي سوف نذكره لاحقاً ، وفي آخر اليوم كان يدرس اللغة الإنجليزية وبدء تعلمها عند شخص يدعى "إسرائل كدو" وذلك مقابل مبلغ 10 روبيات وكان مبلغاً كبيراً يتحمل السيد فهد النفيسي عناء جمعه حتى يشبع رغبته في التعلم . ثم انتقل للتعلم عند الأستاذ أحمد السيد عمر ، وقد استفاد فهد جداً من دراسته لدى الأستاذ أحمد عمر لأنه كان يتبع طريقة عصرية في تعليم اللغة الإنجليزية وكان يعلم الطالب على كتابة الجمل والمحادثة ، ورغبة منه في استكمال دراسته العليا الجامعية توجه إلى السيد أحمد الطيار الذي كان يعمل رئيساً للمحاسبين في الوكالة السعودية التي كان يملكها "عبدالله النفيسي" عم السيد فهد ، وعندما بين له أنه يريد أن يستكمل دراسته رد عليه بأن ذلك أمرّ مستحيل ولكنه سوف يعطيه طريقة يستفيد بها أكثر من الجامعة لأن السيد فهد النفيسي يومها كان مشغولاً جداً وليس لديه وقت وكان البديل هو أن يقرأ معظم المؤلفات الموجودة بالمكتبة لديهم لأن كل كتاب هو عصارة فكر ودراسة لسنوات طويلة واقترح عليه أن يبدأ بمجلات مترجمة تأتي من مصر إسمها "الهلال " و "المختار" وكانت فيها مواضيع مفيدة وكثيرة جداً وظل السيد فهد يتدرب عليها لدرجة أنه نمت عنده هواية القراءة لأي شيء مفيدة ، ومنها نمت عقليته الاقتصادية الوثابة .
صفاته الشخصية وأخلاقه :
لا يخفى على أي من أبناء الكويت إسم عائلة النفيسي ويعرف الجميع الأخلاق الطيبة لأبنائها ، لذا فإننا إذا تأملنا شخصية السيد فهد النفيسي نجد أننا أمام نموذج طيب من المبادئ والأخلاق الحميدة ، ومن يستطلع قصة كفاحه يجد الكثير من العبر والعظات التي نفتقدها اليوم بين أبناء الجيل الصاعد .
ولعلي أقصد وجه الله الكريم إذا دعوت في هذا السياق كل شباب الكويت أن يبحثوا في تراث آبائهم وأجدادهم وإني أثق بالله تعالى أن يجدوا القدوة الحسنة والعبر المستفادة عندما يسردوا ويستعرضوا ذلك التراث لآبائهم وأجدادهم .
وعن ملامح شخصية النفيسي : فقد اتسم بدماثة الخلق وكذلك الصدق والأمانة فضلاً عن الجرأة في الحق ، والثقة بالنفس ، كما يتضح أيضاً من صفاته الذكاء والفطانة وأنه موضع ثقة الجميع . ونذكر من الأمثلة ما نؤيد به ذلك ، فقد كان تاجراً صدوقاً وأميناً ويروي هو عن ذلك أنه أتاه ذات يوم رجل ولديه عدد من الإسطوانات القديمة يرجع تاريخها إلى حوالي 50 سنة وعندما عرضها في محل التاجر فهد النفيسي أتاه أحد الأمراء السعوديين وطلب منه أن يشتريها فباعها بمبلغ 500 روبيه ولم يصدق الرجل واشتهرت سمعته بأنه تاجر أمين والحمد لله .
كما تميز أيضاً بالثقة بالنفس والجرأة فقد كان منذ الصغر يقوم بالتجارة ويعتمد على نفسه فقد لمح يوماً أن ثمة دكان بزاوية مدرسة المباركية يبيع طوابع للجنود البريطانيين وكان قد لفت نظره أنهم في ديوان عمه يلقون الطوابع فقام بنزع الطوابع بعد تبليلها بالماء ثم وضعها في دفتر حتى يستقيم شكلها ثم يبيعها لذاك المحل الذي أعطاه مقابل الطوابع 4 بيزات وقام بوضعها داخل "حصالة" ودفنها في غرفة النوم وأقسم أن لا يفتحها إلا من رمضان إلى رمضان ، وكان هذا هو بداية مشوار كبير طواه السيد فهد النفيسي .
دُعي ذات مرة للتحكيم من قبل رئاسة الأمن العام بالحكومة الكويتية وقد أحيلت إليه هذه الدعوة للفصل فيها ، وأنما يدل ذلك على مدى مصداقيته هذا الرجل ومدى ثقة الجميع فيه وكان ذلك بتاريخ 1/9/1956م .
كما كان يعرف عن فهد النفيسي أنه اقتصادي من الطراز الأول ، وقد حدث معه ذات مرة في أثناء رحلته في الحصول على وكالات تجارية أنه كان هناك جهاز راديو شهير جداً إسمه "RCA" وكان يبيعه ويكسب فيه مبالغ طائلة ولكنه لم يكن الوكيل بل كانت وكالته في العراق وحدث أنه قام بالاتصال بأصدقاء له وشركاء مثل حافظ القاضي وقاموا بعمل ماركة جديدة تٌصنع في أمريكا وقاموا بتصميم جديد وفصوص مذهبة ولمبات وقاموا أيضاً بتجميعها بالكويت بشكل يعجب البدو وبألوان فاقعة مثل الأحمر والأصفر وكانت تكلفته حوالي 80 روبيه يبيعه بمبلغ 350 روبية وحقق من ذلك أرباح كبيرة كانت بداية مرحلة جديدة من رحلة تجارته العريقة .
دوره الوطني :
لم يكن السيد فهد النفيسي من هواة العمل وراء مكتب ولكنه كان يحب الحركة وكذلك السعي وراء الرزق ولقمة العيش فقد عمل في أول مشواره في الوكالة السعودية التي كان يملكها عمه عبدالعزيز ولكنه تركها وعمل بعد ذلك في شركة بترول الكويت KOC ضمن أوائل أبناء الكويت الذين يعملون في الشركة وكان مقرها الأحمدي وبعدها التحق بالعمل كمحاسب في مصلحة المياه وقام فيها بإصلاحات كثيرة وأساسية فبعد أن كانت شبه بقاله - كما يذكر هو بنفسه – أصبحت مصلحة وحافظ فيها على حقوق الموظفين ورتب وزن وحمولة الصهاريج والمكتوبة على كل سيارة "تنكر" حتى الآن . وبعدها انتقل للعمل في مصلحة النقل العام وقام فيها بإصلاحات كبيرة ويمكن أن نقول أنه فعلاً قام بتأسيس أول أسطول للنقل بالكويت ، هذا فضلاً عن توليه رئاسة النادي الرياضي البحري .
أوجه الإحسان في حياته :
لقد نشأ السيد فهد النفيسي نشأة عصامية جعلته يشعر تماماً بما يحتاجه الفقير وما يعوزه فكان هذا دافعاً بين خلجاته لأن يكون من أهل الخير والبر ، فقد ذاق مرارة الحرمان وذاق حلاوة النعمة فكان يشعر بحاجة الفقير والمحتاج ولذلك كانت له مساهمات كثيرة في العمل الخيري بشتى الطرق سواء المادية أو المعنوية فقدم تبرعات كثيرة ومساعدات للمحتاجين من داخل الكويت وخارجها وكان يقوم بولائم الإفطار وكفالة الأيتام وكذلك كفالة طلاب العلم وتحمل نفقات تعليمهم سواء داخل الكويت أو حتى لإستكمال تعليمهم خارج البلاد .
فضلاً عن قيامه ببناء مسجد في الدوحة وتجهيزه بالكامل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
الأيادي البيض: سجل الوفاء للمحسنين الكويتيين في مجال دعم الخدمات الصحية. عبدالمحسن عبدالله الجارالله الخرافي، 2004م.
الموقع الإلكتروني:
https://www.ajkharafi.com/files/8115/8304/1522/62e1273613a330ba378333eb25e2e2c2.pdf