غنيمة فهد المرزوق
المولد والنشأة:
ولدت المحسنة غنيمة فهد المرزوق التي لقبت بأم الخير بالكويت عام ١٣٥٩ هـ الموافق ١٩٤١م، في عائلة المرزوق التي وفدت إلى الكويت مبكرا في أواخر القرن الثامن عشر (۱۷۷۷ - ۱۷۸۰م)، في عهد الشيخ عبد الله الأول بن صباح الأول الحاكم الثاني للكويت الذي حكمها في الفترة (١٧٧٦) ١٨١٤م). وكانت مساكن آل المرزوق الرئيسة براحة السبعان التي عرفت فيما بعد باسم براحة بن بحر وهي قرب مسجد البحر، وبعد تطور الوضع المالي للأسرة انتقلت للإقامة على ساحل البحر مقابل اليسرة، وما زال بيتهم معروفا إلى اليوم ويعرف ببيت السدو.
عاشت رحمها الله فترة من طفولتها في الهند، وقد ارتسمت صورة طفولتها بالهند في ذاكرتها، حيث تقول عنها : أذكر في هذا الزمن الباكر من عمري أن والدي كان عنده فيلا لسكنه، وكان ملحقا بها بيت للضيافة، تعود كغيره من الكويتيين المقيمين في الهند وباكستان استقبال ضيوفه فيها، كان ذلك جزءًا من تقاليدنا ، كانت بيوت الكويتيين المقيمين في الهند مفتوحة لنواخذة السفن وبحارتها الذين لا بيوت لهم في الهند، وقد التحقت مع شقيقتي سارة بمدرسة هندية فترة قصيرة.
أوجه الإحسان في حياتها:
الإحسان باب من أوسع أبواب الجنان، ومن أعلى مراتب الإيمان، ودليل على حب الرحمن، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (البقرة: ١٩٥)، وقد تعددت أوجه الإحسان وصوره في حياة المحسنة غنيمة المرزوق رحمها الله فشملت العديد من الأنشطة والمشاريع الخيرية داخل الكويت وخارجها.
ومن أبرز مجالات الإحسان التي دعمتها رحمها الله ما يلي:
أولا - مساهماتها في مشاريع تعليمية
أدركت رحمها الله تعالى فضل العلم في رقي الأوطان، وعمارة البلدان فيه يزول الجهل، وعليه تقوم الحضارات؛ ولذا جاء التوجيه القرآني أمراً به، حاضاً عليه : وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ (طه: (١١٤). ولذلك وجهت نصيباً من أعمالها الخيرية إلى عدد من المشاريع التعليمية ومنها :
- إنشاء الجامعة القرغيزية الكويتية
شيدت المحسنة غنيمة المرزوق جامعة في قرغيزيا (الجامعة القرغيزية الكويتية، جامعة محمود كاشغري)، وقد كرمت كأفضل جامعة على مستوى جمهورية قرغيزيا للعام ۲۰۱۲م، وقد بدأت مسيرة الجامعة بثلاث كليات ثم أصبحت ستا، وبها قسم للدراسات العليا، ويقوم قطاع آسيا التابع للرحمةالعالمية على رعاية ما يزيد على ستمائة طالب وطالبة من خلال الجامعة.
- مدرسة النور بكشمير
ومن إسهاماتها رحمها الله تعالى بناء مدرسة في كشمير سميت باسم مدرسة النور على نفقتها، وبعد عدة سنوات حدث زلزال قوي أدى إلى تصدع المدرسة فابت رحمها الله إلا أن تقوم بترميمها، وإعادتها أحسن مما كانت عليه.
- مشاريع تعليمية أخرى
بالإضافة إلى ما سبق اهتمت المحسنة غنيمة المرزوق بالإنفاق على بعض المشاريع التعليمية الأخرى في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، نذكر منها :
- دعم جمعية التعليم والتربية والتعاون الاجتماعي في تركمانستان.
- بناء معهد العلوم الشرعية لإعداد المعلمين بالصين.
- بناء مدرسة المعرفة الإسلامية بباكستان.
- دعم بناء جامعة إفريقيا العالمية.
- تشغيل كتاتيب مرزوق فهد المرزوق لتحفيظ القرآن. دعم مجمع مدارس الزيتونة.
- المساهمة ببناء المركز الثقافي النسائي بالبوسنة.
- بناء مبنى كامل المدرسة النور النموذجية بباكستان.
- تشغيل مدرسة الدروس الإسلامية بألبانيا.
- دعم برنامج أطفال الشوارع في المغرب.
- دعم دار كويت الخير للأيتام بقرغيزيا .
ثانيًا : مساهماتها في مشاريع جمعية العون المباشر ( لجنة مسلمي إفريقيا سابقا )
بدأت جمعية العون المباشر أعمالها في عام ۱۹۸۱ م كمؤسسة تطوعية غير حكومية مهتمة بالتنمية في الأماكن الأكثر احتياجا في إفريقيا، وتقوم بأعمالها بأسلوب علمي، وتهتم بالتعليم بكل أنواعه كوسيلة أساسية لتغيير الوضع المأساوي الذي يعيشه الإنسان في إفريقيا، رافعين شعار التعليم حق مشروع لكل طفل في إفريقيا .. ولذا حرصت المحسنة غنيمة المرزوق رحمها الله على المساهمة في كثير من أنشطة ومشاريع الجمعية على النحو التالي:
- تبرعت لبناء عدد من المراكز الإسلامية والمساجد ودور المهتدين الجدد وكفلت العشرات من الدعاة إلى الله تعالى والأيتام، ومولت الكثير من القوافل الدعوية، وتكفلت بحج كثير من سلاطين وزعماء القبائل الإفريقية.
- في الجانب التعليمي تبرعت رحمها الله بيناء عدد من المدارس، وكفلت الكثير من طلبة العلم، وقد برز من بينهم ثلاثة قضاة وسبعة عشر مدرسا، اثنان حصلا على درجة الدكتوراه، والآخرون أصبحوا دعاة إلى الله.
- على المستوى الثقافي والتنويري دعمت مشروع طباعة المصاحف وترجمة وطباعة الكتب الإسلامية، كما ساهمت في المشاريع الصحية للجمعية بإنشاء أكثر من مستشفى ومستوصف، ومولت الكثير من المخيمات الطبية.
- كما ساهمت في تنمية المجتمعات الإفريقية الفقيرة بإنشاء الكثير من مراكز التدريب والتأهيل المهني للنساء وتمويل المشاريع الزراعية لصغار الفلاحين والتبرع لحفر الآبار الارتوازية والسطحية.
وعرفاناً من الجمعية بفضلها قررت إطلاق اسمها على أول مدرسة نموذجية للبنات المسلمات تنشئها الجمعية في ضواحي العاصمة الكينية نيروبي، بالقرب من جامعة الأمة التي أسسها د. عبد الرحمن السميط رحمه الله.
ثالثًا - حفر آبار بالصين
تعد المحسنة غنيمة من أوائل الذين قاموا بحفر آبار ارتوازية في الصين عام ١٩٩٤م، حيث تبرعت بحفر خمس آبار بعد أن علمت بحاجة مناطق المسلمين هناك المشروعات الآبار والمياه العذبة الصالحة للشرب.
رابعًا: إغاثة الملهوف
كانت سباقة في إغاثة الملهوفين والمنكوبين في مختلف الأقطار، فكان لها دور في إغاثة أبناء لبنان عندما أعيتهم الحرب، وكانت يدها ممدودة الأطفال الصومال، ووصل خيرها إلى البوسنة، ووصل أيضا إلى باكستان في محنتهم.
خامسًا: رعاية الأيتام
كانت غنيمة المرزوق رحمها الله بحق رائدة رعاية الأيتام في مجتمعها من خلال ريادتها في مجال الدعوة لرعاية الأيتام، لسبقها المؤسسات الوطنية والعربية والدولية في تبني الدعوة والعمل الرعاية الأيتام، فقد اختارت غنيمة مناسبة ذكرى ميلاد أشرف خلق الله محمد (صلى الله عليه وسلم) ليكون موعدا ليوم اليتيم على اعتبار أنه صلى الله عليه وسلم) كان يتيما، ودعت إلى ما عرف باسم «طبق الخير، لتتحول حصيلة سوق خيري لبيع أطباق الخير وجمع التبرعات خلاله إلى وسيلة لإعادة البسمة إلى وجوه أبنائنا الأيتام ورعايتهم، وتمثلت نتيجته فيما يلي:
1- إنشاء قرية حنان الكويت في لبنان لرعاية الأبناء الأيتام نتيجة حرب أهلية في لبنان.
٢- إنشاء قرية «حنان الكويت في السودان على مساحة أكثر من ١٠٠ فدان، لاحتضان الأيتام من المهاجرين الإريتريين إلى السودان، وهي تعمل حاليا تحت إشراف السيد المشير عبد الرحمن سوار الذهب.
ومن كلماتها عن هذه المشروعات "ما أقوم به من أعمال أو مشروعات خيرية أفضل أن يكون بيني وبين الله، ومن دون ضجيج إعلامي، لكنني أذكر مشروعا يشفع لي في الإعلان عنه أنه جهد جماعي خيري للخيرين من أبناء بلدي، لقد دعوت إلى تنظيم مهرجان (طبق الخير) انطلقت الدعوة إليه في منتصف السبعينيات، وبفضل الله ثم عطاء أبناء وبنات بلدي أنشأنا (قرى حنان الكويت في كل من لبنان والسودان وهي القرى التي ترعى الكثير من أبنائنا الأيتام وأعادت إليهم البسمة".
وبفضل الله فقد انتشرت دعوتها إلى مهرجان طبق الخير بين مؤسسات وجمعيات النفع العام في الكويت، وانتقلت الفكرة إلى دولة الإمارات العربية الشقيقة، وافتتحه سمو الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله (رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة السابق) وخصص دخله لإعادة تعمير إحدى القرى التي دمرها زلزال في اليمن الشقيق.
تكريم وأوسمة:
خلال مسيرتها المهنية الطويلة حظيت الراحلة بالعديد من التكريمات والجوائز مثل:
- نالت جائزة الدولة التقديرية عام ٢٠١١م من قبل وزارة الإعلام الكويتية.
- اختارها قسم الإعلام بجامعة الكويت كشخصية ثقافية وإعلامية بمناسبة اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية عام ٢٠٠٢/٢٠٠١م.
- تقديرا لدورها الثقافي تم اختيارها لتكون عضوا بمجلس كلية الآداب بجامعة الكويت من خارج هيئة التدريس.
- منحها اتحاد الصحافيين الدولي واتحاد الناشرين الدولي ومركز دبي للاستشارات والأبحاث والإعلام جائزة "إنجاز العمر"، وجاء في أسباب منحها الجائزة: ريادتها في إنشاء الصحافة الأسرية في منطقة الخليج، وريادتها في إنشاء صناعة النشر في منطقة الخليج، وريادتها في تأسيس أول تنظيم نقابي للصحافيين في منطقة الخليج، وقيادتها للعمل في مجلة «أسرتي» كأفضل مجلة خليجية.
- منحتها جامعة قرغيزيا درجة الدكتوراه الفخرية لأعمالها في مجالات الخير في قرقيزيا.
- كرمتها الرحمة العالمية (الأمانة العامة للجان الخيرية بجمعية الإصلاح الاجتماعي) عام ٢٠١١م على أعمالها الخيرية في الكويت وخارجها.
- تم اختيارها عضوة بمجلس إدارة الصندوق الوقفي للدعوة والإغاثة بالأمانة العامة للأوقاف، وعضوة بمجلس إدارة جمعية بشائر الخير.
- اختارها مركز دراسات مشاركة المرأة العربية في فرنسا كشخصية عربية متميزة.. وخلال الاحتفال بتكريمها في إمارة الشارقة بواسطة الشيخة جواهر القاسمي، أعلن عن اختيارها سفيرة في التنمية العلمية والإنسانية في جزر القمر.. على اعتبار أنها شخصية بارزة في مسيرة العمل الخيري والإنساني.
وفاتها :
وبعد رحلة عطاء في العمل الخيري والدعوي، توفيت المحسنة غنيمة المرزوق في الخامس من جمادى الأولى عام ١٤٣٤هـ الموافق للسادس عشر من مارس عام ٢٠١٣م عن عمر ناهز ٧٢ عاماً، بعد حياة حافلة بالعطاء في المجالات الإعلامية والإنسانية.
رحمها الله رحمة واسعة وجزاها خير الجزاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
سلسلة مُحسنون من بلدي. إصدار بيت الزكاة - الكويت، الجزء الحادي عشر، 2016م.
الموقع الإلكتروني:
https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%2011.pdf