غانم يوسف الشاهين الغانم

غانم يوسف الشاهين الغانم
أكد في حواره ل «فنار » أنه بدأ رحلته في التأليف منذ عام 1972 وأصدر ٢٠ كتاباً عن تاريخ الكويت، وأكد أنه يجب على الدولة الاهتمام بالمؤرخين حفظاً لتاريخ الكويت.
ناشد المؤرخ غانم يوسف الشاهين الغانم المسئولين في دولة الكويت بضرورة الاهتمام بالمؤرخين والُكّتاب المهتمين بتاريخ الكويت للمحافظة عليه، ونقل الصورة الكاملة عن كويت الأمس الجميلة حتى تتداولها الأجيال ويحفظوها ويرووها لأبنائهم وأحفادهم.
وقال الغانم في حواره ل «فنار «أنني توجهت لتأليف الكتب التاريخية مبكرا، فمنذ أن كنت صغيرا وأنا أسأل عن تاريخ الكويت وأبحث فيه، فقد عشت الكويت القديمة بأيامها الجميلة وذكرياتها الطيبة وأعمالها الخيرية العظيمة»، وأوضح أنه بدأ بالكتابة عن تاريخ الكويت حتى بلغ عدد مؤلفاته ٢٠ كتابا، كاشفا النقاب عن قرب صدور كتابه الجديد الذي يتناول سيرة رجالات الكويت الأوائل وصفاتهم الحميدة .»
وروى الغانم بعض القصص التاريخية التي عاصرها بنفسه، وتناول فيها مولده ودراسته وأبرز الأعمال الخيرية التي شهدها في نشأته، ورحلته إلى الهند وفلسطين، وكيفية استقبال أهل الكويت لأول بعثة فلسطينية تعليمية، وتحدث عن عادات وتقاليد أهل الكويت وعن التبرعات في المواسم.
مزيد من التفاصيل في سياق الحوار التالي...
لنبدأ من مسيرتك، فهل تحدثنا عنها؟
ولدت في منطقة فريج الشيوخ في الكويت، ودرست في طفولتي في مدرسة سعد بن شرهان عام 1928 م، ثم نقلني والدي للدراسة في المدرسة المباركية التي درست فيها لمدة 6 سنوات.
افتتحت دكانا في سوق الغربلي لبيع الشنط والأحذية ثم عملت بتجارة العقارات والأسهم.
وبعد الدراسة كيف كانت حياتك العملية؟
اتجهت للبحر لكي أتعلم التجارة مع مبارك بن ناصر على السفينة التي كانت تسمى بوم بن ناصر وكان ذلك في العام 1945 م، ثم سافرت في رحلات أخرى مع عمي عبدالله الشاهين الغانم إلى أن قمت بفتح دكاني في سوق الغربلي، وكنت أبيع فيه الحقائب والأحذية وبعض الكماليات وكنت اشتري من عبدالله المطوع ومساعد الصالح وكثير من التجار الآخرين، وقد استمر بي الحال في الدكان منذ العام 1949 م إلى منتصف الستينيات وبعد الدكان اتجهت إلى التجارة في العقارات والأسهم.
ما الأعمال الخيرية التي شهدتها في المدرسة المباركية؟
في عام 1934 م قام طلاب المدرسة بجمع تبرعات لفلسطين من خلال رجالات الكويت، وأيضا في عام 1935 م. وفي عام 1936 تم جمع التبرعات للثورة الكبرى في فلسطين، وحضر عدد من النساء الكويتياتأثناء جمع التبرعات في المدرسة، وتساءلوا: «لماذا فقط التبرعات مقصورة على الرجال؟ »، وعندما سمعهم سلطان الكليب، سألهن: «بماذا تتبرعن؟ »، فأخرجن الذهب من أيديهن وتبرعن به، فتم الإعلان عن جمع التبرعات من النساء اللاتي تبرعن بمبالغ كبيرة وذهب، وكذلك في عام 1948 م؛ تم التبرع لفلسطين بمبالغ كبيرة من رجال ونساء الكويت.
سافرت فلسطين عام 1954 لتوصيل تبرعات الكويتي ني بعد ضرب مدينة حيفا.
وماذا عن تبرعات عام 1954 م لفلسطين؟
كنت وقتها عضوا في جمعية الإرشاد الإسلامي التي تأسست عام 1952 م، وفي عام 1954 م تم تأسيس حملة لجمع التبرعات المالية والعينية لفلسطين، بعدما قام الصهاينة بضرب مدينة )حيفا(، فقمنا بزيارة حاكم الكويت الشيخ عبدالله السالم رحمه الله وطلبنا منه الإذن لحملة جمع التبرعات فوافق وافتتح الحملة بتبرعه ب 10 آلاف روبية، ثم تبرع من بعده الشيوخ والتجار وأهل الكويت، فجمعنا وقتها تبرعات كثيرة واتجهنا بفريق تطوعي لفلسطين لتوزيع المساعدات، وقد ضم الفريق كلا من )عبدالرزاق الصالح المطوع، سعود السميط، عبدالله سلطان الكليب( وكنت أنا ضمن الفريق.
كيف كانت الرحلة؟
اتجهنا برا من الكويت، وكان برفقتنا 3 شاحنات كبيرة مملوءة بالمواد العينية والملابس والبطانيات، وكان خط سير الرحلة (الكويت، العراق، سوريا، الأردن) ثم دخلنا المناطق الفلسطينية ومررنا بعدة مدن في فلسطين وتجولنا فيها، ووزعنا المساعدات والأموال.
هل عدتم إلى الكويت بعد الانتهاء من تقديم المساعدات لأهالي فلسطين؟
بعد الانتهاء من توزيع المساعدات ذهبت ومعي سعود السميط إلى لبنان، وقابلنا مفتي القدس محمد أمن الحسيني، وقابلنا أيضا الأديب الشاعر عمر بهاء الأميري.
وبعد تسليم التبرعات أرسل أهالي فلسطين مئات البرقيات لشكر حاكم الكويت الشيخ عبدالله السالم، وقد ذكرنا للشيخ الحسيني توزيعنا للتبرعات، فأخبرنا أنه علم بذلك من إذاعة BBC البريطانية.
بعد العودة للكويت زرنا الشيخ عبدالله السالم لشرح ما قمنا به من توزيع للتبرعات، فأبلغنا أن مئات برقيات الشكر وصلت من أهل فلسطين لقاء هذه التبرعات.
هل تحدثنا عن التبرعات في المواسم؟
في شهر شعبان يستعد أهل الكويت لشهر رمضان المبارك، فيتم التبرع للأسر الفقيرة، ويقوم عدد من التجار بإخراج زكاة أموالهم في شهر شعبان، لتهيئة الأسر الفقيرة لشهر رمضان، فيحضر عدد كبير من الرجال والنساء في السوق أمام محلات التجار، فيتم تقديم المساعدة لهم، وأذكر منهم عبدالرحمن البحر، والزاحم، والخالد، وغيرهم الكثير ويقوم التجار بالاستعداد لشهر رمضان بعمل ولائم الإفطار في دواوينهم وفي المساجد، فيتم تنظيف وتلميع أواني الطبخ التي يتم حملها على الإبل لإرسالها إلى سوق الصفافير. وبعد تجهيزها بالطعام يتم تحميل 4 صواني كبيرة على ظهر كل بعير، كما يتم تجهيز الدواوين والعمارات والبيوت والمطابخ للشهر المبارك.
هناك أيضا النقْصة والنافله، فهل توضحهما لنا؟
كان الأهالي والجيران يتبادلون الأطعمة، كما كانوا يخرجون طعام النافلة في يوم الخميس ليلة الجمعة في ثواب المتوفين من أهاليهم.
وفي شهر رمضان يتجلى العطاء ويزداد، وتمتلئ الكويت بولائم الإفطار، وتتبادل الأسر الأطعمة والحلويات في جو تكافلي يسوده الحب، ويقوم عدد من التجار بإخراج زكاة أموالهم في هذا الشهر المبارك، وتمتلئ المساجد بالمصلين ويتم تجهيزها بالماء والحُصر والبخور والمصاحف، ويتطوع الأطفال لتوزيع الماء والشاي على المصلين في صلاة التراويح.
كما كانت تُفتح عمارات التجار على البحر طوال أيام رمضان للراحة والنوم أما عند المغرب فكانت تُخصص للإفطار.
حرص الكويتيون على إخراج زكاة الفطر وتجهيز الملابس للمحتاجين قبل العيد
ماذا عن زكاة الفطر؟
كان أهل الكويت يحرصون على إخراج زكاة الفطر، فمنهم من يخرجها نقدا، أو تمرا أو طعاما، فقد كان عدد من الفقهاء يجيزون ذلك، وكان سلطان الكليب بمثابة بيت الزكاة »، فيقوم بجمع زكاة الفطر والصدقات ليوزعها على الأسر المحتاجة والمتعففة.
ويقوم المحسنون قبل العيد بأيام بتجهيز ملابس العيد الجديدة للأيتام والأسر الفقيرة، ويقوم عدد من الرجال والنساء بالخياطة.
أما في أيام العيد، وعقب انتهاء صلاة العيد، يتزاور الناس للتهنئة ويتم عمل الولائم.
انتهينا من شهري شعبان ورمضان، فما الذي كان يحدث في موسم الحج؟
في الحج كان أهل الخير يتسابقون لإرسال الحجيج على نفقتهم، وكان حسن الرومي يأخذ معه للحج 200 حاج على نفقته، وذلك لعدة سنوات، وكان الناس قديما يشترون الإبل لتسمينها لأكثر من 4 شهور لتجهيزها لموسم الحج.
هل تذكر مضيف «عيش بن عمير ؟»
أذكره جيدا، فقد كنت أسير من أمامه مباشرة، وكان مكانه مقابل قصر السيف، وكان يعمل فيه شخص اسمه عبدالكريم )بوصالح(، وكان بن عمير يقوم بالطبخ فيه، ويتم توزيع الطعام على الناس.
ماذا بخصوص التبرعات والمشروعات الخيرية خارج الكويت؟
اعتاد الكويتيون على التبرعات داخل وخارج الكويت، وكانت هناك مشروعات خيرية ومساعدات عديدة لأبناء الكويت الذين لديهم مكاتب في الخارج، فقد بني محمد حمود الشايع مدارس ومساجد في مدينة «بنجلور » بالهند، وكان لجاسم شاهين الغانم مكتب في اليمن في منطقة التواهي بعدن، وكان وكيلًا تجاريا للكويتيين فيها، وأذكر أنني زرت المدينة المنورة في سنة من السنوات فرأيت مسجدا مكتوب عليه «المحسن الكويتي »، ولما سألت الناس هناك عن اسم المتبرع فلم يعرفوه.
كنت ضمن فريق استقبال أول بعثة تعليمية فلسطينية للكويت عام 1936
ما هي ذكرياتك عن البعثات الدراسية التي اُوفدت للتدريس في الكويت؟
في عام 1936 زار الشيخ عبدالله الجابر المدرسة المباركية، وقال للشيخ سالم الحسينان «بعد غد تذهب مع صفّك الدراسي لاستقبال البعثة الفلسطينية من المدرسين القادمين من فلسطين للتعليم في الكويت بالمدرسة المباركية .»
وفعلا ذهبنا نحن مجموعة من الطلبة مع الملا سالم الحسينان بسيارتين كبيرتين، وكان من ضمن الطلاب عبدالله العلي المطوع، وعدد من عائلة البدر، وغيرهم، وكان عددنا ما يقارب 20 طالبا.
وأذكر أننا خرجنا صباحا من المدرسة المباركية، وكان الجو باردا، ووصلنا للمطاع، ومكثنا حتى الساعة 11 مساء، في غرفة صغيرة، وحينما وصل الأساتذة، خرجنا لهم واصطففنا صفن لتحيتهم، ثم رجعنا معهم ووصلنا قبل الفجر.
كيف كانت بداية الكشافة في المدرسة المباركية بعد هذه البعثة؟
حينما وصلت البعثة الدراسية الفلسطينية أقاموا في فندق السكان الذي أسسه يوسف شيرين بهبهاني، لكن الفندق لم يكن مؤثثا بالكامل، فاستضافهم أحمد الجسار والد خالد الجسار وزير الأوقاف الأسبق في بيته ليلة، ثم تم تأجير سكن لهم، وبعد فترة وجيزة تم إنشاء فريق الكشافة، وطلبوا منا شراء ملابس الكشافة.
والدتي باعت «الصندوق المبيت » ب 40 روبية لتشتري لي ملابس الكشافة
وقامت والدتي رحمها الله ببيع «الصندوق المُبيّت » الذي عندها في غرفتها ب 40 روبية وأعطتني عددا من الروبيات لشراء ملابس الكشافة، وقد تصدقت بباقي المبلغ الأسر الفقيرة، فقد كانت - رحمها الله، تنفق إنفاقا عظيما ولا تدع في يدها شيئا من المال.
كما تبرع عدد من المحسنين لشراء ملابس الكشافة للطلبة الذين لا يملكون المال، وتم عمل أول فريق كشفي في المدرسة المباركية عام 1936 م.
هل توضح لنا قصة تأليفك للكتب التاريخية والوثائقية عن الكويت؟
منذ أن كنت صغيرا وأنا أسأل عن تاريخ الكويت وأبحث فيه، فقد عشت الكويت القديمة بأيامها الجميلة وذكرياتها الطيبة وأعمالها الخيرية العظيمة،
وفي عام 1964 م أصبحت رئيس تحرير جريدة الديلي نيوز، وفي عام 1965 م اصبحت نائبا لرئيس تحرير جريدة الرأي العام، وفي عام 1972 م تركت الجريدة لأتفرغ للكتابة الحرة عن تاريخنا، وبدأت بالكتابة عن الكويت ورجالاتها وعاداتها وقيمها، وأصبح لدي الآن ولله الحمد أكثر من ٢٠ مؤلفا عن تاريخ وتراث الكويت.
وأرجو من المسئولين في الدولة ومؤسساتها الثقافية الاهتمام بالمؤرخين والكُتاب الذين يكتبون عن تاريخ الكويت، لأن ما ينقص الأمة الكويتية هو معرفة تراث أجدادها، فالجيل الحالي من الكويتيين معظمه لا يعرف شيئا عن تراثه.
ما هي آخر مؤلفاتك؟
سأقوم بإذن الله خلال الأيام القادمة بإصدار كتاب عن رجالات الكويت الأوائل وصفاتهم الحميدة.
ـــــــــــــــــــــ
المصدر:
مجلة فنار العدد 2، مايو 2018.