عيسى حسين اليوسفي

من ويكي خير

المولد والنشأة والتعليم

عيسى حسين اليوسفي
عيسى حسين اليوسفي

كان المحسن عيسى حسين اليوسفي رحمه الله رجلاً مكافحاً طموحاً، من جيل الرواد الأوائل الذين ساهموا في بناء نهضة الكويت في مرحلة ما بعد النفط عرف كيف ينمي أعماله، متخذا من الثقة بينه وبين المجتمع سبيلا لنجاحه إلى جانب تجسيده للمسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال، وهو ما ترجمه في مشروعات خيرية هي من الكثرة بحيث يصعب إحصاؤها، إلا أن المبرة الخيرية التي تحمل اسمه مثال واضح على دوره، وقد ولد المغفور له بإذن الله تعالى عيسى حسين اليوسفي في الكويت عام ١٣٤٨هـ الموافق لعام ١٩٣٠م.

وتلقى حسين اليوسفي رحمه الله تعالى قسطًا من التعليم الأساسي الذي كان متاحاً في ذلك الوقت حيث ألحقه والده وهو في الثامنة من عمره بالمدرسة الوطنية الجعفرية، فكان من أوائل الطلاب الذين انتسبوا إليها .

لكنه لم يكتف بذلك بل ذهب رحمه الله إلى مدرسة ليلية لتعلم اللغة الإنجليزية، وتطوير قدراته لييسر لنفسه سبل حياة أفضل.

أوجه الإحسان في حياته

كان المحسن عيسى اليوسفي رحمه الله سباقا إلى عمل الخير، مسارعًا في سبل الإحسان والبر، راجيا الأجر والثواب من الله تعالى، حاله حال من قال عنهم الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتُوا وَقُلُوبُهُمْ . وَحِلَةً أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَجِعُونَ أَولَكَ يُسْرِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَبِقُونَ ) (المؤمنون: ٦٠، ٦١).

وقد تعددت أوجه الإحسان في حياته رحمه الله مع حرصه على البعد عن صخب الإعلام، متسترا بما عليه من أفعال الخير حتى أكرمه الله بلقائه بل إن إحسانه تعدى إلى غير المسلم فلم يكن يميز في العطاء بين الناس حسب جنسياتهم وأعراقهم وأديانهم، ومن ذلك أنه جاءه ذات مرة رجل هندي يطلب منه أن يساعده بشيء قليل من المال يعينه على العودة إلى بلده وأهله، فطلب منه أبو عبدالله جواز سفره والعودة بعد يومين، وفي الموعد المحدد عاد الهندي فسلمه المرحوم جواز السفر وتذكرة الطائرة ومبلغا من المال، وهو ما كان له أثره الكبير على هذا الهندي.

ويمكن إيجاز أعمال الخير في حياته فيما يلي:

أولا - من صور إحسانه داخليا:

حرص رحمه الله تعالى على تنويع مظاهر العمل الخيري ومجالات الإحسان في حياته داخل الكويت، ومن أهم مشاريعه الخيرية في هذا المجال:

إنشاء مبنى استثماري ووقفه للمعاقين:

لقد كرم الله تعالى الإنسان بصورة عامة وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، وأولى المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة بصورة خاصة عناية كبيرة ورعاية عظيمة، بلغت من السمو والرقي أن يعاتب نبيه صلى الله عليه وسلم الإعراضه غير المقصود عن ابن مكتوم الكفيف رغم أنه لا يرى العبوس أو الإعراض، ورفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض، ونهى عن السخرية والاستهزاء بكل ذي نقيصة أو عيب. وقد حرص المسلمون طوال تاريخهم على توفير سبل العناية ووسائل الراحة التي تتناسب مع ما يعانونه من أوضاع تختلف عن غيرهم من الأصحاء... وامتدادا لهذا النهج الكريم حرص المحسن عيسى اليوسفي رحمه الله على أن يكون من أوائل المتبرعين للجميعة الكويتية لرعاية المعوقين، واستمر على هذا النهج فما من عمل خيري للجمعية يحتاج إلى تمويل إلا وكان في طليعة المتبرعين له والمساهمين فيه رحمه الله تعالى. وعندما شرع في إقامة بناء استثماري يعود ريعه للأبناء المعوقين في الجمعية تبرع بكامل تكاليف تأسيس المبنى التي بلغت ۸۲۵۰۰۰ (ثمانمائة وخمسة وعشرين ألف دينار كويتي، ارتفعت بعد ذلك ووصلت إلى مليون دينار.

- تأسيس مركز تعليمي وتأهيلي للمعوقين

بعد أن تبرع رحمه الله تعالى للمعوقين بقيمة المبنى الاستثماري الذي يعود ريعه عليهم، تلبية لحاجاتهم الجسدية، سعى إلى ما يساعد على تلبية حاجاتهم العلمية والفكرية حيث ساهم رحمه الله بمبلغ ۹۰۰ ألف دينار التأسيس مركز تعليمي وتأهيلي للمعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة، بعدما علم أن مدارس المعوقين ليست كالمدارس الأكاديمية العادية من حيث نظام التعليم والسكن والبرامج، وبادر إلى تحمل المبلغ كاملا. وصارت الدفعات الشهرية للجمعية تصل بانتظام حتى أواخر عام ١٩٨٢م وأوائل عام ۱۹۸۳م؛ حيث تم تخفيض المبلغ إلى النصف، وبالرغم من حدوث أزمة اقتصادية في سوق المناخ وهبوط أسعار الأسهم، وما تبعها من بعض مظاهر الكساد التجاري فإنه أكمل المشروع. وتكريماً له وتقديراً لعطاءاته أطلقت الحكومة اسمه على إحدى المدارس الحكومية في منطقة مبارك الكبير قطعة ٨ عام ٢٠٠٤ م.

- مساهمات خيرية متنوعة

واستكمالا لجهوده الخيرية السابقة حرص المحسن عيسى حسين اليوسفي رحمه الله على الإنفاق في معالجة المرضى المعوزين، والمساهمة في علاج المدمنين، عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطَفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌّ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالسهر والحمى ( صحيح مسلم) حيث تداعى رحمه الله تعالى بماله لتخفيف الآلام عن المرضى فكان إذا قرأ نداء لأهل الخير يطلب مساعدة معوق مثلا بحاجة لكرسي خاص، أو مريض يعاني من مرض في القلب أو قصور في الكلى، أو عائلة قسا عليها الزمن.. لا يتوانى عن أن يرفع الهاتف ويتحدث مع الجهات التي أطلقت نداءات المساعدة. وكان يأتيه مرضى القلب فيحولهم على حسابه الخاص إلى أحد أمهر أطباء القلب، وكذلك كان يفعل مع المرضى الذين تستدعي حالتهم السفر للعلاج في الخارج حيث كان يقوم بدفع جميع مصاريف سفرهم وعلاجهم مهما بلغت. وكان من عادته - وخصوصا في السنوات الأخيرة من حياته الذهاب إلى عيادة المرضى في المستشفيات، حتى وإن لم تكن هناك علاقة قوية تربط بينه وبينهم. وربما كان يسارع إلى دفع مصاريف المستشفى عن المريض غير القادر منهم. وعندما كان يعلم رحمه الله برغبة جمعية بشائر الخير في إرسال أشخاص تعافوا من إدمان المخدرات لأداء العمرة كان على الفور يتصل برئيس الجمعية ميديا استعداده بتكفل مصاريف سفرهم إلى الديار المقدسة، حتى صار إرسال أشخاص تخلصوا من إدمان المخدرات إلى العمرة عبر هذه الجمعية عادة سنوية. يتوجه كل عام عدد من هؤلاء على حسابه الخاص، وبقيت هذه العادة حتى بعد وفاته، من خلال ابنه د عادل عضو مجلس إدارة هذه الجمعية واحد مؤسسيها. ولم يتوان رحمه الله في التبرع بمبلغ كبير للمدرسة الوطنية الجعفرية التي تلقى فيها تعليمه الأساسي عند دعوته ضمن ۲۸ شخصية من كبار التجار والوجهاء عام ١٩٥٣م، للمساهمة في بناء مبنى جديد للمدرسة أكثر تطورا .

- تبرعه للجمعية الثقافية النسائية

مزج المحسن عيسى حسين اليوسفي رحمه الله اهتماماته الخبرية بالشأن الاجتماعي العام خدمة لأبناء وبنات هذا الوطن الغالي: فكان تبرعه المميز للجمعية الثقافية النسائية، ومن المواقف المؤثرة والطريفة في الوقت نفسه أنه عندما قرأ يوماً إعلاناً صادراً عن الجمعية أنها ستقيم احتفالاً بهدف جمع التبرعات لدعم وتنشيط مشاريعها وخدماتها في الحقل الاجتماعي، حرص على الذهاب بنفسه، وحضور الحفل دون أن يعرف نفسه للقائمين على الحفل، وظنوا انه مندوب إحدى الهيئات نظرا لعدم ظهوره في الإعلام أو اهتمامه بالمظاهر حتى إن مسؤولة الحفل التي تسلمت منه شيكا بقيمة أربعين ألف دينار كويتي مذيلا باسم عيسى حسين اليوسفي، بادرته بالقول: بلغ سلامنا وشكرنا لعمك والمقصود رب عملك، دون أن تدري أن الواقف أمامها هو نفسه العم عيسى اليوسفي، فانصرف وعلى شفتيه ابتسامة مضيئة دون أن يقول لها اسمه ). متمثلاً قوله تعالى: (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) ( الإنسان : (٩).

صندوق اليوسفي الخيري

كان هذا الصندوق تتويجاً وترجمة حقيقية للمنهج الخيري المبارك الذي سلكه المحسن عيسى اليوسفي رحمه الله في حياته فنظراً إلى كثرة المترددين عليه من السائلين وذوي الحاجة، وهو ما كان يمثل عبئاً كبيراً عليه لتلبية مطالبهم جميعا، إضافة إلى كفالته بعض الأيتام في لبنان، وتقديمه بعض المساعدات لفقراء إفريقيا، وبعض العائلات في إيران، اقترح ابنه عادل إنشاء صندوق اليوسفي الخبري بحيث يقوم على متابعة كل هذه الأمور بطريقة مؤسسية تخفيفا للضغط عن والده، وبعد ممانعة في البداية من الوالد حرصا على المشاركة المباشرة في فعل الخير .. وافق في النهاية، وبدأ عمل الصندوق الذي كان يتمثل دوره في إحصاء أعداد المستفيدين، وتنظيم لوائح بأسمائهم، ووضع آلية شهرية للصرف أو للمساعدات الطارئة، ودراسة الحالات وتقدير المبالغ التي يجب أن تصرف لأصحابها. ورصدت للصندوق ميزانية كانت تصرف على المستفيدين وما زالت حتى إن عمل الصندوق لم يتوقف في الظروف الصعبة مثل فترة الغزو العراقي الغاشم حيث كان عادل (ابنه) بيادر من لندن التي كان في زيارة لها أثناء الغزو، ويطلب من والده، وهو خارج الكويت أيضا أن يحول له المبالغ المرصودة. الأيتام لبنان وفقراء إفريقيا ليرسلها بدوره إلى مستحقيها، فيحدد له بعض المصارف، ويسحب منها بأمر منه المبالغ التي ترسل لهؤلاء... وبعد مرور سنة على إنشاء الصندوق، وإعادة تقويم عمله، وجد المشرفون عليه أن الميزانية لا تكفي لأن الحاجات تزداد، وأعداد المستفيدين تتضاعف فضو عفت أرقام الميزانية، وهكذا في السنة الثانية والثالثة وإلى اليوم، وإن ما يُرصد من ميزانية لهذا الصندوق يزاد عليها في سنتها المالية نظراً لتنوع وازدياد حاجات الناس من المرضى والمعوقين والأيتام والغارمين وأصحاب الحاجات الخاصة، ومن انقطعت بهم السبل والمؤسسات الخيرية والاجتماعية وغيرهم. ومما يذكر من حرص أبي عبد الله على مباشرة فعل الخير بنفسه ... أنه كانت هناك بعض العوائل وذوي الحاجة يأتون إليه للمساعدة دون علم القائمين على الصندوق فكانت متعته رحمه الله تعالى في أن يرى البسمة وقد ارتسمت على وجوه البائسين والمحتاجين.

- صندوق إعمار الكويت

بعد أن من الله عز وجل على الكويت بالتحرير من الغزو العراقي الغاشم تنادى أهلها المخلصون إلى إعادة إعمار ما أفسده الغزو كل حسب استطاعته. وإيماناً من مؤسسة عيسى حسين اليوسفي بواجبها الوطني، وترسيخاً المبدأ الشراكة الوطنية قررت إنشاء صندوق إعمار الكويت وإعانة عوائل الشهداء والأسرى، وذلك من خلال استقطاع نسبة من مبيعات المؤسسة الدعم الصندوق. وقد حددت فترة الاستقطاع بعام كامل بدءًا من (١٩٩١/١٠/٥)، على أن يتم استقطاع نسبة %5% من مبيعات جميع معارض المؤسسة من الأجهزة الإلكترونية والكهربائية، و ٢.٥ من مبيعات التكييف المركزي والوحدات، وذلك بشكل مفتوح لجميع شرائح الشعب الكويتي والأمة الإسلامية.

- تأسيس صالة أفراح في منطقة بنيد القار

ما أجمل أن تتنوع أعمال الخير والبر، وتمتد لتحقق المسؤولية المجتمعية المطلوب من القطاع الخاص المشاركة فيها، وهو ما كان يؤمن به المرحوم عيسى اليوسفي، وتحقيقا لذلك وتيسيراً على الناس إقامة احتفالاتهم وأعراسهم حرص رحمه الله تعالى على إقامة صالة أفراح في منطقة بنيد القار. وقد افتتحت القاعة في شهر يونيو من عام ۲۰۱۰، برعاية سمو الشيخ ناصر المحمد رئيس مجلس الوزراء في ذاك الوقت الذي أناب عنه في حفل الافتتاح محافظ الأحمدي الشيخ د. إبراهيم الدعيج الصباح. والصالة مهيأة لإقامة حفلات الزواج للرجال وحفلات الزواج للنساء كذلك، وهي تتألف من 3 طوابق وهي الطابق الأرضي، وهو عبارة عن قاعة الاحتفالات التي تتسع لنحو ٥٠٠ مدعو، وطابق الميزانين وهو مخصص للبوفيه. أما الطابق الأخير ففيه غرفتا تجهيز لكل من العروس والعريس، وفي القاعة مصاعد لتلبية احتياجات المدعوين، إلى جانب مواقف السيارات التي تتسع لنحو ٥٠٠ سيارة.

ثانيا- من صور إحسانه خارجيا

- بناء المراكز الصحية والمستشفيات والمساجد بسوريا

امتدادا لاستشعاره رحمه الله تعالى لآلام المرضى، وسعيه للتخفيف عنهم كما أشرنا منذ قليل تجاوز ذلك حدود الكويت إلى غيرها من البلدان العربية والإسلامية حيث ساهم رحمه الله في إنشاء مراكز صحية ومستوصفات في سوريا، منها مركز أم العمد الصحي الذي يقع على بعد ٣٥ كم من مدينة حمص، ويستفيد من خدمات هذا المركز الصحي ما يقارب ثلاثين ألف نسمة حيث يقع على مساحة ٢٢٠ مترا مربعا. وكذلك انشأ مركز الإسماعيلية الصحي الذي يقع على بعد 15 كم من حمص، ويقدم الخدمات الطبية لعشرين ألف نسمة، وأنشأ أيضا مركز كفريا الصحي في محافظة إدلب السورية. وقد تم تجهيز هذه المراكز بالآلات اللازمة وعيادات المعاينة الطبية وعيادات الأسنان والصيدليات والأسرة واللقاحات وغير ذلك من المستلزمات. وابتغاء المرضاة الله تعالى وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم القائل في الحديث الشريف: «أحب البلاد إلى الله مَسَاجِدُها .... (رواه مسلم) بني رحمه الله مسجدا في إدلب بسوريا على مساحة ٤٠٠ متر مربع، يحتوي على مصلى للرجال وغرفتين للدراسة للرجال والنساء، ومئذنة يبلغ ارتفاعها ٤٢ مترا، كما ساعد رحمه الله تعالى في تركيب آلات التكييف وتجهيز بعض المساجد في دمشق عام ١٩٩٦م.

- بناء مسجد ومدرسة مهنية لتعليم الفتيات في لبنان

تعرض لبنان الحرب أهلية طاحنة، استمرت ١٥ عاما، حيث بدأت عام ١٩٧٥م وانتهت عام ١٩٩٠م، وكان من نتائجها التهجير والفرز الديني والمناطقي، وقد قدر عدد ضحاياها بـ ١٥٠ ألف قتيل، و ٣٠٠ ألف جريح ومعوق، و ١٧ ألف مفقود. وفي أثناء هذه الحرب وفي عام ۱۹۷۷م، في إحدى فترات الهدوء الأمني اقترح أحد المهتمين بالشأن الديني المقيمين في الكويت فكرة إقامة مسجد ومدرسة مهنية لتعليم الفتيات في لبنان على طريق مطار بيروت الدولي، فتبني المرحوم عيسى اليوسفي الفكرة على نفقته الخاصة، وكانت المدرسة تتعلم فيها الفتيات أنواعا من المهن والحرف، ولما شارفت الأعمال على الانتهاء تجددت الحرب في لبنان، وصار الموقع متنازعا عليه بين المتحاربين من أبناء الطائفة الواحدة، وتضررت بعض أركانه وأساساته، ولما هدأت الحرب كليا تولت إداراته وتنفيذ بقية الأعمال إحدى الجهات من دون استشارة اليوسفي. وقد أكمل بناء المسجد لاحقا من قبل هذه الجهة، ولكن أقيم مستشفى بدلا من المدرسة، فقام المرحوم بالتبرع بسيارة إسعاف مجهزة تجهيزاً كاملاً استوردت من ألمانيا، وقد وضع المسئولون عن المستشفى لوحة على بابها. مكتوبا عليها هذا المشروع تبرع بمراحله الأولى المحسن الكريم الحاج عيسى حسين اليوسفي.

- مجمع اليوسفي الرعاني والتربوي في لبنان

بعد تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي في مايو عام ٢٠٠٠م، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها كان لا بد من الإعمار والبناء، وهو ما يقتضي تكاتف الجهود في ذلك؛ ولذا كانت هذه المبادرة من المحسن عيسى اليوسفي الإقامة أحد أهم المشاريع للمواطن اللبناني، الا وهو مجمع اليوسفي الرعائي والتربوي الذي يضم مدرسة ومبرة عيسى ابن مريم في منطقة خيام في جنوب لبنان. وكانت جمعية المبرات الخيرية تمتلك قطعة أرض مساحتها ۱۱۰۰۰م۲ في بلدة الخيام في جنوب لبنان تبرع بها الحاج إبراهيم العبد الله، وكانت الدراسات قد وضعت لإنشاء مشروع رعائي تربوي عليها تبلغ تكاليفه نحو مليوني دولار، وهذا ما عقد العزم عليه المرحوم عيسى اليوسفي، فتينى المشروع على نفقته الخاصة. ويضم المشروع مدرسة أكاديمية، ومبرة للأيتام مع سكن داخلي لهم، وقاعة محاضرات، وملاعب رياضية صيفية وشتوية، ومكتبة عامة، ومسرحاً ومختبرات علمية، ومسجدا، وقاعات للأنشطة الثقافية والفنية، ويستوعب حوالي ۱۲۰۰ طالب وطالبة.

إحسانه إلى ذوي القربي

لم ينس المحسن عيسى اليوسفي رحمه الله الذي اهتم كما ذكرنا أنفا باليتامى والمساكين وابن السبيل الإحسان إلى ذوي القربي طاعة لله تعالى القاتل في كتابه العزيز: ( قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) (البقرة: ٢١٥): حيث يروى عنه انه - رحمه الله تعالى عاش حالة وجدانية تجاه أقاربه من أولاده وإخوانه وعموم أرحامه حيث كان كبير العائلة الذي ينظر إليه أفرادها بكل الاحترام والتقدير، وكان بالنسبة إليهم أباً للجميع يعطف عليهم ويراف بهم ويعطيهم من قلبه كل ود ومحية، قبل المال والإحسان. وكان يتودد الأحفاده وأولاد إخوته وأقاربه، ومع كل عيد عندما كانوا يأتون إليه لتقديم التهنئة كان يحمل رزمة مالية ويقدم عيديته للأطفال والفتيان من العائلة، فيفرحون ويبتهجون ويدعون له بطول العمر حيث روي أن ما كان ينفقه على العبدية كان يصل إلى ٤٥ ألف دينار. ويذكر في هذا السياق أن العيدية لم تكن تقتصر على أهل بيته بل كان يتوجه إلى النادي البحري ويوزع العيدية على بعض العمال الذين يكونون بانتظاره، وكذلك كان يفعل مع جميع الموظفين في مؤسسته حيث كانت عيديتهم محفوظة بقرار صادر منه؛ ففي عيدي الفطر والأضحى) يستلم كل موظف راتب نصف شهر عيدية مهما كبر أو صفر الراتب، ومع قدوم الشتاء كان يصرف لكل موظف ٦٠ دينارا بدل ثياب شتوية، وعندما وصل عدد الموظفين إلى حوالي ١٤٠٠ موظف كان لهم لباس موحد، وكانت المؤسسة تسدد ثمن لباس الجميع.

تبرعاته الخيرية للأشقاء في العروبة والإسلام

انطلاقاً من مبدأ الأخوة الإنسانية كما قال تعالى ( يَتَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْتَكُم من ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوبا وقابل لتعارفوا ) ( الحجرات: (۱۳)، وتجسيداً لروابط الوحدة بين أبناء العروبة والإسلام.. كان المحسن عيسى اليوسفي رحمه الله أحد المحسنين الكويتيين الأوائل الذين قدموا تبرعاتهم السخية لإخوانهم في الدول الأخرى من خلال اللجنة الشعبية لجمع التبرعات التي تأسست عام ١٩٥٠م)، بهدف تقديم المساعدات والغوث والمعونة لمن يحتاج إليها في شتى أنحاء العالم بصفة عامة، والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة، لا سيما دعم القضية الفلسطينية، وضحايا الكوارث الطبيعية. وقد بلغت تبرعاته الخيرية حسب سجلات اللجنة الشعبية لجمع التبرعات أكثر من ٤٠٠ ألف دينار كويتي وألف روبية، وجاءت على النحو التالي: - تبرعه لصالح دعم مصر بعد حرب ١٩٥٦م بمبلغ 1000 روبية. - دعم معهد ناصر بالقاهرة عام ۱۹۷۰م بمبلغ ٣٠٠ دينار. - دعم ثورة الجزائر عام ١٩٥٩م بمبلغ ٢٠٠٠ دينار. - إغاثة ضحايا زلزال ولاية الأصنام في الجمهورية الجزائرية عام ١٩٨١م بمبلغ ٧٥٠٠ دينار. - الدعم المتواصل لشعب إريتريا بمبلغ ١٧٥٠٠ دينار. - إغاثة ضحايا الحروب والكوارث في أفغانستان عامي ۱۹۸۰ م و ۱۹۸۱م بمبلغ ١٢٥٠٠ دينار. - إغاثة ضحايا زلزال باليمن عام ۱۹۸۳م بمبلغ ١٠٠٠٠ د.ك. - مساعدة شعب العراق من عام ١٩٨٢م حتى ١٩٨٦م بمبالغ مجموعها ۱۵۰۰۰ د.ك. - دعم المجهود الحربي الكويتي عام ١٩٩٤م بمبلغ ٢٠٠٠٠٠ د.ك.

مبرة الحاج عيسى حسين اليوسفي الخيرية

جعل الله تعالى الوقف قربة يتقرب بها العبد إليه سبحانه ولذا حث عليه. وندبه؛ ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته، بعد موته علماً نشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه، ومسجداً بناء، أو بيتاً لابن السبيل بناء أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه بعد موته (رواه ابن ماجة). وحرصا من المحسن اليوسفي رحمه الله على هذا الأجر بعد وفاته، وإدراكاً منه لدور المبرات الخيرية في مساعدة الفقراء والتخفيف عن المعوزين أوصى أبناءه بإنشاء مبرة خيرية بعد وفاته. وقد نفذ الأبناء البررة وصية أبيهم، وقاموا بإنشاء المبرة التي تحمل اسمه - أواخر عام ٢٠٠٧م، وقد صدر القرار الوزاري رقم ٩٢ لسنة ٢٠٠٨م مصرحا بإشهارها بناء على قوانين الدولة المنظمة وعلى النظام الأساسي للمبرة، وتلخصت أهدافها فيما يلي: - تقديم المساعدة للفقراء وكبار السن والمحتاجين داخل الكويت وخارجها. - تقديم المساعدة لذوي القربى. المساهمة في بناء دور العبادة وصيانتها داخل الكويت وخارجها. - تقديم المساعدة للمرضى المحتاجين. ه المساعدة في تخفيف معاناة المعوقين عقليا وجسديا. - المساهمة في محاربة آفة المخدرات وآثارها . - تقديم المنح الدراسية للطلبة المتفوقين من أبناء الكويت والدول العربية والإسلامية. - تقديم المنح التشجيعية والجوائز التقديرية للباحثين المتفوقين في كافة المجالات الدينية والعلمية والأدبية والاجتماعية والفنية. - مساعدة مراكز البحوث العلمية والأدبية ومراكز التدريب المتخصصة. وللمبرة القيام بأي نشاط آخر من أعمال البر والنفع العام أو ما من شأنه تحقيق الهدف العام لإنشائها.

وفاته

كتب الله عز وجل الموت والفناء على المخلوقات جميعا، وتفرد سبحانه بالبقاء السرمدي الأبدي فالموت هو مصير كل حي، وعند الله تعالى يجتمع الخلائق ليوفوا أعمالهم فمنهم الشقي، ومنهم السعيد كل حسب ما قدم في دنياه. وترجو أن يكون المحسن عيسى حسين اليوسفي رحمه الله تعالى من السعداء حيث ظل طيلة عمره في الدنيا بين العمل الجاد والعطاء في سبيل الله، واهبا حياته وماله لإسعاد الآخرين، حتى شاء الله تعالى أن ينتقل من دار الفناء إلى دار البقاء بعد عمر ناهز ثلاثة وسبعين عاما : حيث وافته منيته في عام ١٤٣٣هـ الموافق لعام ٢٠٠٣م. ويفقده فقدت الكويت - بل الأمة العربية والإنسانية جمعاء - علماً من أعلام العمل الخيري، ورجلا من رجالات البر والإحسان، تقبل الله منه ما أنفق وبذل، وجزاه خير الجزاء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر:

سلسلة مُحسنون من بلدي. إصدار بيت الزكاة - الكويت، الجزء الحادي عشر، 2016م

الموقع الإلكتروني:

https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%2011.pdf