عبد الله دخيل أحمد الشايع
مولده ونشأته

منذ حوالي مائة عام، وفي عام ١٣٣٦هـ الموافق لعام ١٩٠٨م ولد عبدالله بن دخيل بن أحمد بن علي بن شايع بن عبد المحسن بن حمد في منزل والده بمدينة الزلفي. وتعد أسرة الشايع من الأسر النجدية العريقة التي نزحت من الزلفي إلى الكويت، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وهم من العتبان من الأساعدة، وقبل أن يتم عبدالله دخيل الشايع عامه الثاني، قدم مع والده إلى الكويت وذلك سنة ١٩١٠م بصحبة والدته وأخيه سليمان وأختيه، واختاروا منطقة المرقاب سكناً لهم.
وبعد استقرارهم في الكويت بحوالي الشهرين كانت معركة هدية وشارك والده في هذه المعركة فزعة لأهل الكويت ومشاركة لهم في السراء والضراء، وأراد الله سبحانه الا يعود منها حيث قتل فيها "رحمه الله". وهكذا فقد أصبح عبد الله دخيل الشايع يتيماً وعمره لم يتجاوز السنتين وقد قام برعايته وأسرته أقاربه في الكويت إلى أن شب واستطاع أن يتحمل المسؤولية. ومما زاد من عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، أنه لم يكن مسؤولاً عن نفسه فحسب، بل كان مسؤولا عن والدته وأخواته، وقد أعانه الله تعالى وأمده بعدد من عنده، بعدما اتخذ الله عونا وعضداً ومعينا وسنداً، فاستطاع - بعون الله وفضله - أن يشق طريق الحياة وأن يسلك دروبها الصعبة في وقت كان تحصيل لقمة العيش بعد عملاً شاقاً ويحتاج سعياً دؤوبا، لقد كان بحق شابا عصامياً عفيفاً صابراً، فاستطاع أن يعيل أسرته.
أوجه الإحسان في حياته
الإحسان أعلى عرى الإيمان به أمر الرحمن، وعليه حث النبي العدنان فقال الله تعالى: "وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (3) سورة البقرة، ولهذا فقد تعددت أوجه الإحسان في حياة المحسن عبد الله دخيل الشايع يرحمه الله وتنوعت صوره فشملت:
عمارة المساجد
المساجد موئل الزاهد والعابد، ومستراح الراكع والساجد، وواحة الجندي والقائد ومهوى القلوب والأجساد عند نزول الشدائد وحسبنا دلالة على عظم ثواب بنائها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مثلة". رواه مسلم. ولذا، فقد كان المحسن عبدالله دخيل الشايع يرحمه الله حريصاً على بناء المساجد فيني مسجدين كما يلي:
مسجد في الزلفي
رغم أن عبدالله دخيل الشايع رحمه الله غادر الزلفي إلى الكويت صغيراً لم يتجاوز عمره العامين، فإنه عندما هفت نفسه إلى بناء مسجد لله تعالى رجاء ثوابه سبحانه وتعالى، رنا ببصره وفؤاده إلى مسقط رأسه إلى الزلفي وبالفعل بنى مسجداً بها على الطريق الرئيسي المؤدي إلى عنيزة، حيث اقتطع جزءاً من أرض كان يملكها لبناء مسجد بها، يؤدي فيه أهل المنطقة الصلاة. كما يؤمه المسافرون ليل نهار لأداء فرائض الله وإحياء شعائر الإسلام.
مسجد في سورية
من جوانب عظمة الإسلام أنه زرع في نفوس أبنائه العناية بأحوال إخوانهم المسلمين أينما كانوا، وبالفعل هناك رباط قلبي وشوق دفين يجعلان نفس المسلم في بلاد المغرب تتوق إلى إخوانه المسلمين في بلاد المشرق، وما أجمل قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (2) سورة الحجرات.
وما أصدق قول القائل:
وأينما ذكر اسم الله في بلد *** عددت ارجاءه من لب أوطاني
ولذلك فقد بنى المحسن عبد الله دخيل الشايع يرحمه الله مسجداً في الجمهورية السورية بمدينة الزبداني في منطقة البلد، بعدما علم بحاجة هذه المنطقة إلى بناء المسجد، وقد كان كثير السفر إليها، قلبي النداء، وحقق الرجاء، راجيا الثواب من رب الأرض والسماء.
مركز إسلامي في مالاوي
وإذا كان إحسان المرحوم بإذن الله تعالى عبدالله دخيل الشايع قد امتد إلى سورية، ذلك القطر العربي الآسيوي، ومن قبله السعودية مسقط رأسه، فإن بوصلة إحسانه ونداء عقله ووجدانه، قاداه هذه المرة إلى إحدى دول إفريقيا السمراء، إلى جمهورية مالاوي، ولما كانت حاجة البلاد الإفريقية إلى التعلم لا تقل عن حاجتها إلى التعبد والتزكي، فقد أراد المحسن عبدالله دخيل الشايع يرحمه الله أن يجمع بين الحسنيين وأن يحصل على الأجرين فأسس مركزاً إسلامياً في هذه الجمهورية اشتمل على مسجد للعبادة، ومدرسة لتعليم أمور الدين والدنيا معاً، طمعاً في الثواب الجزيل للصدقة الجارية الذي وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله "إن مما يلحق المؤمن مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِه بَعْدَ مَوْتِه عَلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته". رواه ابن ماجه. ويضم المركز مصلى للنساء ومكتبة وغيرها من المرافق التي تخدم المسلمين من أهالي هذه البلاد. وتم تنفيذ هذا المشروع بواسطة د. عبد الرحمن السميط أطال الله عمره.
إكرام الضيوف والأقارب وذوي الحاجة
كان المحسن عبد الله دخيل الشايع يرحمه الله متديناً متسامحاً كثيراً ما يتنازل عن حقه عند التنازع والخصومات عملاً بقول الله تعالى: ( وَأَن تَعْفُوا أقرب للتقوى ) سورة البقرة، 247. لا سيما مع الضعفاء، كما كان له ديوان يكرم فيه ضيوفه أيما إكرام، ويحسن إليهم أيما إحسان. وكان يملك أرضا بالبصرة بها نخيل، وكان يرحمه الله عندما تجلب له التمور منها يقوم بتوزيعها على الناس في سبيل الله، وكانت هذه عادة سنوية لا يتخلف عنها، وكان إحسانه هذا يشمل أقاربه وأصدقاءه والمحتاجين عموما ابتغاء مرضاة الله تعالى. كما كان يرحمه الله حريصاً على إخراج زكاة المال وليس هذا فحسب، بل إخراج التبرعات والصدقات عملا بقول النبي : "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفاء". متفق عليه، فكان يتبرع لبعض المساجد في البصرة والزلفي لشراء مستلزماتها مثل مكبرات الصوت والمراوح والمكيفات والسجاد وغيرها للمساجد خاصة، وللمحتاجين عامة.
سقي الماء
لما كان المحسن عبدالله دخيل الشايع يرحمه الله كثير الخروج إلى البر في رحلات برية مع مجموعة المطاوعة التي أشرنا إليها سابقاً تحت عنوان صفاته وأخلاقه، فقد مروا في إحدى رحلاتهم إلى البر على خيمة وقربها بئر ماء فاستسقوا صاحب الخيمة فرفض أن يسقيهم إلا بمقابل مادي، فقام المحسن عبد الله دخيل الشايع يرحمه الله واحد زملائه بشراء الأرض التي تقع هذه البئر بها، بعد أن عرضوا على صاحب الأرض مبلغا من المال فوافق على البيع وسلمهم صك الملكية، وكان يحق له رحمه الله أن يجعل هذه الأرض سكناً له أو مصدراً للربح من خلال بيع أجزاء منها، ولكنه اتفق يرحمه الله مع بائع هذه الأرض على أن يظل مقيما فيها بشرط ألا يبيع الماء، ويجعل هذه البئر سبيلاً لوجه الله تعالى لكل من يطلب الماء وموقع هذه البئر الآن هي المنطقة المقام عليها مستشفى الفروانية وما جاورها.
إخراج الزكاة
كان يرحمه الله يخرج الزكاة سنوياً ويوصلها لمستحقيها من المحتاجين وكانت تأتيه من البلاد الإسلامية المختلفة جماعات كثيرة يقوم بإعطائها حقها من مال الزكاة، كما كان يدفع جزءاً منها لبيت الزكاة.
الحث على فعل الخيرات
جميل أن يفعل المسلم الخير، والأجمل أن يرافق ذلك بالدعوة إليه، ولا أحد شاهداً على ذلك هنا أفضل من قول الله تعالى ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) سورة آل عمران، 104. ولذلك لم يكن المحسن عبدالله دخيل الشايع حريصاً على فعل الخير فحسب، بل كان يدعو إليه، وفي بعض الأحيان يتعمد فعله بين أبنائه وأمامهم حتى يتعلموا منه ويتأسوا به ويستنوا بسننه، ولذا ليس عجباً أن يسير الأبناء على درب الخير الذي سلكه أبوهم "ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ". (سورة آل عمران، 34). فقام أبناؤه عبد العزيز وخالد وعبد اللطيف - بعد وفاته - ببناء مسجد بنية أن يكون ثوابه لوالدهم وأسموه باسمه في منطقة العديلية سائلين الله أن يكون ذلك خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكون أجره واصلاً إلى والدهم يرحمه الله.
وفاته
بعد حوالي ثمانين عاماً من العطاء، قضى المحسن عبدالله دخيل الشايع معظمها في العمل والجد والكفاح، وهن العظم واشتعل الرأس شيبا، وافته المنية في سويسرا - جنيف - أثناء قضاء عطلة الصيف وذلك في الخامس والعشرين من يوليو عام ١٩٨٦م حيث صعدت روح المحسن عبدالله دخيل الشايع إلى بارئها، وقد ووري جثمانه الثرى في الكويت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
بيت الزكاة. محســـــــــنون من بلـــــــدي (سلسلة تشمل السير العطرة للمحسنين الكويتيين)، ج9، 2010.
الموقع الإلكتروني:
https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%209.pdf