عبد الرحمن يوسف الرومي
المولد والنشأة:

هو الحاج عبد الرحمن يوسف الرومي، ولد رحمه الله في عام ١٢٩٣هـ الموافق لعام ١٨٧٦م، بمحلة (فريج) الرومي بمنطقة الشرق في الكويت، وتوفي والده الذي كان يرعى شؤون العائلة عن عمر يناهز المائة عام، وخلفه من بعده أحمد يوسف الرومي النوخذة المشهور والذي توفي في عام ١٣١٠ هـ (۱۸۹۳م) ينتمي إلى أسرة عريقة، ينتهي نسبها إلى بطن الشملان ثم السلقا ثم الجبل ثم العمارات من قبيلة عنزة ).
وقد ارتبطت هذه الأسرة ارتباطاً وثيقاً بالبحر حيث امتلكت أسطولاً كبيراً يضم شتى أنواع السفن الشراعية المستخدمة في الغوص على اللؤلؤ، وتميز عدد كبير من أبنائها العاملين في مجال التنوخذ (قيادة السفن)، حيث بلغ عدد نواخذة الغوص - الذين نعرفهم - من هذه العائلة أحد عشر نوخذة. وبرز عدد كبير من تجار اللؤلؤ (الطواويش) من هذه الأسرة، حيث بلغ عدد الذين تعرفهم منهم ستة عشر طواشاً، منهم المترجم له المرحوم عبد الرحمن يوسف الرومي.
ويعد أخوه أحمد بن يوسف الرومي أول أمير للغوص من عائلة الرومي ولم تتول أسرة من الكويت إمارة الغوص بعده سوى أسرته، ويؤكد ذلك الشيخ يوسف بن عيسى القناعي بقوله : "وقواد الغوص (أمراء الغوص) هم الذين بيدهم الحل والترحال والقفال، وأول قائد عُرف بالكويت هو ابن تمام، ثم بعده ابن مهنا ، ثم أحمد بن يوسف الرومي، وبعده استمرت القيادة (إمارة الغوص) في هذا البيت إلى يومنا هذا ".
وأسرة الرومي من الأسر الكويتية المعروفة التي لها سابق أفعال حميدة وخصال مجيدة، فقد تنوعت مجالات بذلها وعطائها وكان لها مواقف وطنية مشهودة في تاريخ البلاد، حيث شارك أبناؤها بأنفسهم وأموالهم في الأحداث التي شهدتها الكويت، وقدموا تضحيات مجيدة، بذلوا فيها أرواحهم رخيصة في سبيل الدفاع عن وطنهم.
أوجه الإحسان في حياته
إن سيرة المحسن عبد الرحمن الرومي يرحمه الله سيرة عطرة ومسيرة مشرقة لشخص عمل للكويت ولأهلها، فامتلأت حياته بأوجه البذل والسخاء والجود والعطاء، راغباً فيما عند الله تعالى القائل في كتابه الكريم: ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَ لَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعُ عَلِيمٌ ) سورة البقرة،261.
ومن أعمال البر والإحسان - التي قام بها يرحمه الله ما يلي:
تحمل نفقات ثمانين حاجاً وحاجة وإكرامهم والتوسعة عليهم
في سنة ١٣٢٤ هـ (١٩٠٦م) كان الحاج عبد الرحمن الرومي رحمه الله في الثلاثين من عمره، وكان شابا قويا سخيا محبا لطاعة الله، فلم يسوف ولم يؤجل هذه الرحلة المباركة واستعد للحج على الجمال في قافلة كبيرة وأعد الزاد والراحلة، ووصل عدد القافلة إلى مائة جمل وناقة، وكان عدد الرجال ٥٠ رجلاً، وعدد النساء ۳۰ امرأة، فجهزهم جميعاً رحمه الله بالمؤونة والغذاء وجميع استعدادات الرحلة، وكان الطريق آنذاك وعراً وصعباً، وكانت رحلة الحج تستغرق ثلاثة شهور ذهابا وإيابا.
توزيع المساعدات على حجاج بيت الله الحرام
ولم يكتف المحسن عبد الرحمن يوسف الرومي رحمه الله بما قدمه لمن رافقه في قافلة الحجيج، بل إنه لما فرغ من أداء مناسك الحج أمر أحد معاونيه أن ينادي في الحجاج: من كان له حاجة فليأت إلى مخيم الحاج عبد الرحمن الرومي»، وهذا تطبيق عملي لمعنى الحج المبرور فقدم عليه أناس كثيرون فأكرمهم جميعاً وسد حاجاتهم ووزع عليهم جميعا المساعدات المادية والعينية، عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبِ وَلَا يَقْبَلُ الله إلا الطَّيِّبَ إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينه وإِن كَانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو في كَفَّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِن الْجَبَلِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوهُ أَوْ فَصِيلَهُ". رواه مسلم. واكتسبت رحلته للحج هذه شهرة واسعة في وطنه قبل عودته حيث تحدث بها خلق كثير وذاع اسمه بين الناس، وعن ذلك يقول المرحوم خالد بن شملان الرومي أنه سمع ذلك عندما ذهب مع أبيه شملان وجماعته لاستقبال الحجاج في الشدادية وكان عمره ثماني سنوات آنذاك، وكان الشيخ مبارك الصباح يتقدم المستقبلين للحجاج.
إطعامه الطعام طوال رحلته إلى بومباي
منذ مئات السنين يسافر أبناء الخليج العربي إلى الهند عموما وإلى بومباي خاصة للتجارة، فيبيعون ما لديهم من اللؤلؤ والتمر ويشترون السلع والبضائع كالمعدات والأخشاب والمواد الغذائية والتوابل وغيرها، وكانت وسيلة السفر في ذلك الوقت هي السفن الشراعية والبواخر (المراكب)، وكان عادة معظم الكويتيين آنذاك أن يسافروا على «الديك» - وهو سطح المركب - وقليل منهم من كان يأخذ غرفة، كما كان من عادتهم أن يطبخوا على سطح المركب ويحملوا معهم المواقد لذلك، ويروي المرحوم سليمان ناصر المرشود - وكان يسافر مع الحاج عبد الرحمن الرومي - في المركب قائلاً : طلب مني الحاج عبد الرحمن الرومي أن أطوف على جميع الكويتيين في المركب، وأن أطلب منهم أن يتوقفوا عن الطبخ بأنفسهم، وأن يحضروا عنده للغداء والعشاء على مائدته طوال الرحلة من الكويت إلى بومباي لمده ٢٠ يوماً، حيث كان يسوق معه عددا من الخراف من ٢٠ إلى ٢٥ خروفا في الرحلة، وقد اعترض قبطان المركب على ذلك، موضحاً أن هذه الباخرة «المركب للركاب وليس للبضاعة فقال له الحاج: إذا وصلنا بومباي ويقي خروف واحد فهو لك فوافق الرجل ثم حصل الحاج عبد الرحمن الرومي على ترخيص دائم لأخذ أغنام معه على ظهر المركب وذبحها للطعام في الرحلات التالية.
ويضيف المرحوم الحاج سليمان المرشود: مررت على جميع الركاب وطلبت منهم أن يتفضلوا للغداء والعشاء، فأجابوا الدعوة جميعا ما عدا شخص واحد رفض الطلب، فسألني الحاج هل أخبرت جميع الركاب، قلت: «نعم ما عدا راكب واحد رفض»، قال: «لنذهب إليه نوجه له الدعوة»، فلما ذهبنا إليه اعتذر وأصر على عدم الذهاب، فمازحه الحاج عبد الرحمن وشدد عليه للتفضل معنا، فما كان من هذا الرجل إلا أن ضحك واستجاب وأصبح الجميع يجتمعون على مائدة واحدة طوال الرحلة.
ديوانه العامر:
الديوانية أو الديوان جزء من التراث الخليجي عموما والكويتي خاصة، وهو سمة اجتماعية وثقافية مميزة له، حيث يلتقي الأقارب والأصدقاء وبعض أهل الفريج، فيتناولون ما طاب لهم من الطعام، ويتناقلون أطيب الكلام وأحدث الأخبار العامة والخاصة. ومن هذا المنطلق كان له رحمه الله ديوانية مفتوحة دائما كعادة أهل الكويت قديما، فيجلس فيها من بعد الفجر، ويأتي أصدقاؤه لشرب القهوة في السادسة صباحا ثم يدخلون السوق للتجارة، ثم يعود الحاج عبد الرحمن إلى منزله في العاشرة صباحا فينام لصلاة الظهر ثم يجلس بالديوانية ما بين صلاتي الظهر والعصر، ثم يذهب للسوق ويعود في الخامسة مساء ثم يصلي المغرب ويجلس بالديوانية ما بين المغرب والعشاء فيصلي العشاء، وبعدها يأوي للنوم، ونادرا ما كان يخرج بالليل إلا لزيارة شخص أو السعي في حاجة آخر.
وكان له علاقات تجارية وصداقة مع الكثيرين خارج الكويت أمثال الشيخ محمد علي زينل من المملكة العربية السعودية وهو من تجار اللؤلؤ في بومباي، وعائلة الجلاهمة في البحرين، وآل سديراوي في الكويت والهند وله مكاتبات ورسائل منذ ۱۳۲۵هـ مع آل الزهير بالعراق وآل شلبي من عنيزة والدواسر في البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية .
وفاته:
عاش المحسن عبد الرحمن الرومي رحمه الله ٩٧ عاماً ميلاديا (حوالي ١٠٠ عام هجري) وكانت آخر حجة له في سنة ۱۹۷۳م، حيث جهز أهله وأحفاده للحج، ولما وصل إلى مكة، وأقام بها مدة أصيب بمرض، وتوقف عن الأكل ومرض مرضا شديدا حتى توفي بها رحمه الله، فأرسل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح إلى ولده الأكبر يوسف - الذي اصطحب معه ابنه محمد الرومي - وأبلغه تعازيه وتعازي سمو الأمير الشيخ صباح السالم الصباح، وأن عنده تعليمات من سموه بإرسال طائرة إلى جدة تحضر جثمان المغفور له بإذن الله إلى الكويت فسافروا إلى جدة، وأقيمت له جنازة رسمية حيث كان في استقباله سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبد الله الصباح رحمه الله، وحضر جنازته سمو الأمير الشيخ صباح السالم الصباح رحمه الله وجمع غفير من الشيوخ وأهل الكويت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: بيت الزكاة. محســـــــــنون من بلـــــــدي (سلسلة تشمل السير العطرة للمحسنين الكويتيين)، ج9، 2010.
الموقع الإلكتروني:
https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%209.pdf