عبدالجليل بن ياسين الطبطبائي

المولد والنشأة:
هو السيد عبد الجليل بن السيد ياسين بن السيد إبراهيم بن السيد طه بن السيد خليل بن محمد صفي الدين ، يتصل نسبه الشريف بإبراهيم طباطباء بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم القمر بن الحسن المثنى بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولد عام ١١٩٠ هـ ١٧٧٦م في البصرة من أسرة كريمة وكان والده السيد ياسين الطبطبائي عالماً جليلاً محدثاً ومفتياً للشافعية. بدأ السيد عبد الجليل حياته العلمية على يد علماء أجلاء ، فحفظ القرآن الكريم ، وتعلم القراءة وأخذ شيئا من مبادئ الحساب . ولما تم له ذلك دفعه والده ليستوفي ثقافة عصره على أيدي كبار العلماء وقتئذ ، فدرس النحو ، واللغة ، والفقه والحديث . وقد أجازة عالم الإحساء وفقيهها الشيخ محمد بن عبد الله بن فيروز عام ۱۲۱۱هـ بنقل مروياته لما وجد فيه من ذكاء وقاد ، وقدرة عالية على الحفظ . وهذه مكرمة قل أن ينالها تلميذ من تلاميذ هذا العالم الجليل فالراوية لا بد أن تتوافر فيه شروط عديدة لكي يكون أهلاً للرواية عن أستاذ ما.
هاجر من البصرة إلى مدينة الزبارة .. التابعة لمشخية قطر واستوطنها وبنى فيها مسجداً ثم هاجر من الزبارة إلى الكويت حيث وجد فيها بلداً آمنا مستقرا ، واتخذ داراً لإقامته في حي القبلة جنوبي مسجد آل يعقوب.
أوجه الإحسان في حياته:
اشتهر السيد عبد الجليل الطبطبائي بالجود والكرم ، فقد كان بيته مضافة لا يخلو يوماً من ضيف قريب أو بعيد ، وكان محباً لفعل الخير والإحسان ، ويسعى إلى ذلك جاهداً قدر استطاعته ، ويمد يد العون لكل محتاج ، يسعى إلى فعل المعروف ويدل عليه ، ومن ذلك قوله:
أغث بإمكانك الملهوف حيث أتى *** بالكسر فالله يرعى حال منكسر
وكافئن ذوي المعروف ما صنعوا *** إن الصنائع بالأحرار كالمطر
فلا تكن سبخاً لم يجد ماطره *** وكن كروض أتى بالزهر والثمر
في مجال العلم:
تقول الأستاذة عواطف خليفة العذبي الصباح في كتابها الشعر الكويتي الحديث):" على الرغم من قصر الفترة التي قضاها الطبطبائي في الكويت إلا أنها فترة تحوّل خطير في حياة هذا الشعب إذ استطاع هذا العالم بفضل ثقافته الدينية واللغوية الواسعة ، أن يحدث تطوراً في ثقافة الناس وأذواقهم ، فقد كان رائد النهضة الثقافية في الكويت، وترك أثراً بارزاً في كثير من الشعراء والكتاب الكويتيين . فقد نجح بفضل دروسه ومحاضراته ، في أن يجمع حوله طائفة غير قليله من الكويتيين المتعطشين لتحصيل المعرفة ، وأن يفتح أمامهم أبواباً واسعة من الثقافة العربية في عصورها الزاهية واستطاع أن يطلع الكويتيين على روائع الشعر القديم ، وأن يعينهم على تذوقه وفهمه."
له ديوان شعر معروف باسم الخل والخليل في شعر السيد عبد الجليل وقد طبع عدة مرات وكانت أول هذه الطبعات سنة ١٣٠٠هـ بمدينة بومباي بالهند على نفقة حفيده السيد مساعد بن السيد أحمد ابن السيد عبد الجليل الطبطبائي.
الدعوة للأخلاق الحميدة:
ولما كان السيد عبد الجليل أديباً وشاعراً فقد استخدم هذه الخاصية في معظم قصائده فوظف أدبه وأشعاره لما فيه فائدة مجتمعه ودعوتهم إلى الأخلاق الحميدة ونيل المعالي.
قناعته وكراهيته للربح الفاحش:
لم يكن السيد عبد الجليل الطبطبائي فقيهاً وأديبا فحسب ، بل لم يمنعه ما ورثه من آبائه من مزارع النخيل من أن يأكل من عمل يده فاشتغل بالتجارة ، وكان نشطا بتجارة اللؤلؤ ، وله مركب تجاري دعاه (السعد ) وقد بسط الله له الرزق في تجارته.
وضرب السيد عبد الجليل مثلاً حياً للتاجر الأمين وكان في تجارته نزيها يتحرى الحلال ، ويستنكر مدنّسات البيع والشراء كالربا وغيره، بل يذهب إلى أبعد من ذلك فقد كان يشمئز من الربح الفاحش.
ويروي أحد أصدقائه أنه بشر مرة وهو يتوضأ للصلاة بأن بضاعته قد كسبت الضعف فاستعبر باكيا فقيل له : لماذا تبكي إن هذا مما يسرك ويفرحك فقال : إني أعرف ذلك ، إلا أنه ينذر بما لا يحمد عقباه فإن الربحإذا بلغ هذا الحد وصار على هذا النمط يجب أن لا يفرح به صاحبه فقد يأتي على ما جمعه المرء ، يريد أن يشير إلى أنه ما بعد الكمال إلا النقصان وقد صدق حدسه ، فقد ذهب كثير من ماله لكن الله عوّضه عنه بحب الناس وإجلالهم له لعلمه وتقاه وجوده وسمو نفسه.
وفاته:
توفي السيد عبد الجليل الطبطبائي عام ١٢٧٠هـ ه - ١٨٥٣ م رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته - كرّمته الدولة وأطلقت اسمه على أحد الشوارع في منطقة الدسمة وكان له أولاد صالحون منهم العلامة السيد أحمد الطبطبائي.
ومما يجب أن نذكره هنا أن تلميذه العالم الورع الشيخ محمد بن فارس حجز بجوار قبر السيد عبد الجليل قبرا لنفسه وقد دفن فيه بعد عدة سنوات من موت السيد عبد الجليل وهذا مما يؤكد إدراك الناس لورعه وتقواه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
محسنون من بلدي (سلسلة تشمل السير العطرة للمحسنين الكويتيين)، ج1. بيت الزكاة، 1998.
الموقع الإلكتروني:
https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%201.pdf