سعود محمد حسن الكندري

هو:
سعود محمد حسن الكندري، كان والده الحاج محمد حسن صالحا، وكان سعود ابنه الأخير فكان له رعاية خاصة، وكان يأخذه معه المسجد، ويدعو دائما له ويقول: إن شاء الله تكون (شيخ سعود )، وهو يسمع أباه، يقول في دعائه: ستكون شيخا، مما كان له أكبرالأثر في نشأته، وشخصيته، وكانت والدته امرأة صالحة، فنشأ في هذا البيت المحافظ، والحريص على تنشئة أبنائه في المساجد، وبين أيدي العلماء والصالحين.
النشأة والطفولة:
ولد سنة ١٩٦١، في منطقة شرق، وسمي سعودا بسبب زيارة الملك سعود ملك المملكة ا لعربية السعودية للكويت في ذلك العام، الذي ناسب ولادته، فأسماه والده بسعود، ومن غريب الأمور أنه توفي يوم وفاة الملك فهد.
دراسته ومناصبه:
درس الابتدائية في مدرسة النجاح في منطقة شرق ودرس المتوسطة في مدرسة الرميثية المتوسطة، في منطقة الرميثية، وكذلك درس الثانوية في ثانوية الرميثية، ثم درس في معهد المعلمين، تخصص لغة عربية، ثم عين بعد التخرج مدرسا في مدرسة صهيب بن سنان الابتدائية في منطقة الرقة ثم عمل مأذونا شرعيا، وإمام وخطيب مسجد سعيد بن الربيع في الرقة، ثم أصبح مسئولا للجنة التكافل الاجتماعي في الرقة.
أنشطته الدعوية:
بالرغم من ترأسه للجنة التكافل الاجتماعي في منطقة الرقة، فإنه كانت لديه أنشطة دعوية بارزة أخرى في المسجد، فلقد كان - رحمه الله - شعلة دعوية لا يعرف الراحة أبدا في سبيل الله، يذكرك بمقولة (رجلا بألف)، فقد كان يؤم المصلين في مسجده، ويقوم بعدة أنشطة مصاحبة، وكان مسجده خلية نحل، وكان الناس يحبونه ويجتمعون عليه، بجميع أعمارهم، الصغير والشاب والكهل والشيخ، اجتماع الأبناء الصغار للأب الحنون، وقد حول المصلين باختلاف أعمارهم وقبائلهم، ومستوياتهم الاجتماعية إلى إخوة متحابين، وقد عمل لهم ديوانية داخل المسجد، وإفطار جماعي، ومواعظ إيمانية مستمرة بعد الصلوات حتى ليشعرك أنهم جميعا أسرة واحدة.
وبالإضافة لنشاطه في المسجد، ولجنة التكافل فقد كانت له أنشطة خارج الكويت، في عدة دول من العالم، فقد شارك في العمل الإغاثي في البوسنة، وفي بناء المساجد وكذلك كانت له جولات في العمل الخيري في الفلبين برفقة الشيخين الفاضلين أحمد الدبوس ويوسف السند.
أعماله الخفية:
لم يكن أحد يعلم أنه كان يرعى ما يقارب خمسين عائلة فقيرة، حيث لم يكتشف أحد ذلك إلا بعد وفاته، عندما جاءت بعض الأسر المتعففة، واشتكت لوالده انقطاع المساعدات.
وكان من أبرز أعماله أثناء الغزو العراقي توزيعه المال للمحتاجين، ومخاطرته بنفسه من أجل سد حاجة الناس، وكان يخبزا لخبز في الغزو، ويوزعه على الناس. وما خفي من أعماله لا يعلم فيه لا الله تعالى.
الرجل القرآني:
كان حقا رجلا قرآنيا بمعنى الكلمة، فقد كان القرآن لا يفارقه في حياته وسلوكه، واستشهاداته، وتصرفاته، ومواقفه.
ومن ذلك، أنه جرحت قدمه في بداية الألفين في وقت الحج، ونهاه الطبيب من الذهاب للحج لخطورة ذلك على صحته، خاصة أنه كان يعاني من مرض السكر، ولكنه لم يستطع الحرمان من الحج، وقال: لا أستطيع الامتناع عن الحج وأنا متعود مما أثر على ابنه الكبير محمد فبدأ يبكي، فقال له. ما يبكيك يا ولدي؟ فرد عليه: إنهم سيقطعون قدمك. فقال له بكل يقين: لا تخف ولا تبكي سأقرأ القرآن والأدعية، وأنا عندي يقين أنهم لن يقطعوه، وعندي يقين أن الله سيشفيني.
قال ابنه محمد: فبدأ يقرأ القرآن أمامي ويدعو بأدعية طويلة من المأثور، وهو مستغرق بالدعاء، وكان موعد العملية في الصباح، فلما جاءوا لأخذه إلى غرفة العمليات، قالوا له: هل أنت مستعد للبتر؟
قال: نعم، ولكن أريد أن تفحصوا القدم قبل العملية فبدأوا يفحصون ثم تفاجأوا وصاحوا باستغراب: «لا يوجد أثر للمرض».
وقال ولده محمد: ورأيت ذلك بعيني، فقد أتينا به إلى المستشفى وقدمه سوداء، عندما قرروا بترها فعادت بيضاء بعد القراءة والأدعية.
وعندما رأى فريق العملية هذا أمامهم، سألوه: ماذا فعلت؟
فقال: قراءة القرآن والأدعية والأذكار، وكان من بين الفريق طبيب هندي مسيحي فلما رأى ذلك بعينه، أعلن إسلامه أمام الحضور.
يقين وثقة بالله:
حدث التماس كهربائي يوما ما في غرفته والتي فيها الكثير من الصور والآثار من ذكرياته، فدخل الغرفة، فرأى كل شيء محروقا، فقال لولده محمد: كل شيء يحترق إلا المصحف الذي خبأت فيه ألف دينار للفقراء فلن يحترق، وفعلا وجدنا كل شيء محترق في الغرفة إلا المصحف لم يحترق فسأله ولده محمد: كيف عرفت ذلك يا والدي؟
فقال له: هذا مال الفقراء، وحقهم لن يحترق.
العفو عند المقدرة:
هذا القلب الكبير والمتصل برب العالمين، وهذه الربانية التي ربى نفسه عليها، من الصعب أن تجد فراغا للانتقام الذاتي، أو لحظ من حظوظ الدنيا، وهكذا كان - رحمه الله - يقدم العفو على الانتقام، ويتنازل عن حقه إيثارا لما عند الله، وحرصا أن يخرج من هذه الدنيا مظلوما لا ظالما، ومن ذلك أنه كان ذاهبا لاستلام إعلانات محاضرة للشيخ القطان من جمعية الرقة، وإذا بشاب مسرع بسيارته فصدم الشيخ سعود فسقط على الأرض، وقد تكسرت أضلاعه ورجله والقدم والحوض، وإذا بالمارة يقبضون على الشاب سائق السيارة، وعندما وصلت الشرطة قال لهم: اتركوه، ولا تحققوا معه، وأنا مسامحه لوجه الله تعالى، ولا تنيموه ليلة واحدة في النظارة.
فكان لهذا الموقف الأثر الكبير على ذلك الشاب مما غير حياته من الاستهتار إلى الهداية والصلاح.
وهكذا فإن هذا الإسلام لا ينتشر بالكلام المجرد، بل بالتطبيق العملي لأخلاقه، وما تصنعه الأفعال أضعاف أضعاف ما تصنعه الأقوال.
في أدغال الفلبين:
ومن مواقفه الإيمانية في الفلبين، في إحدى جولاته لتفقد أحوال المسلمين هناك، وتلمس حاجاتهم، أنه كان في رحلة مع الشيخين أحمد الدبوس ويوسف السند لشراء أرض للمسلمين لبناء مسجد، وركبوا في الباص الذي كان يشق أدغال جنوب الفلبين الكثيفة بالأشجار، وعندما وصلوا إلى مكانهم، تفقدوا حقيبة المال التي كانوا يحملونها معهم، وإذا بهم قد نسوها في الباص حيث كانت تحتوى على عشرة آلاف دينار كويتي.
وفي هذه اللحظات العصيبة التي تصيب أعظم الرجل بالصدمة، وربما بتوقف القلب، كانت وقفة إيمانية من الشيخ سعود وصاحبيه، إذ لم يكن لهم في هذا البلاء إلا الله — سبحانه وتعالى — يلجئون إليه، فألحوا بالدعاء والتضرع بين يديه بأن يحفظ لهم المال، ويعيده إليهم، وبعد الدعاء لحقوا بالباص بدراجة نارية، فسبحان الله القادر على كل شيء قدير، وجدوا الباص متعطلا بسبب انفجار أحد إطاراته، وقائد السيارة والركاب كانوا منشغلين في ذلك، فدخل الشيخ سعود وصاحباه الباص فوجدوا الحقيبة في مكانها كما هي، فأخذوها ورجعوا إلى مكانهم.
الحب هو السبيل:
كان يدرك - رحمه الله - تعالى بأن الأبناء لا يمكن أن يأخذوا حرفا من والديهم ما لم يحبوهم، ويدرك أهمية الإشباع العاطفي في العملية التربوية، كما يدرك قبل ذلك كله الأسلوب النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام في التربية، مما جعله بعيدا كل البعد عن الضرب والعنف معهم، بل كان يكثرمن الكلمة الطيبة، والتشجيع، والثناء، والقرب منهم، والاحتكاك بهم، وإشعارهم بمحبته لهم، ولم يستعمل معهم الضرب في حياته إلا نادرا، وفيما يخص الدين لا الدنيا، وكان للتنبيه فحسب.
وكان أكثرما يرغبهم فيه بعد الفرائض قراءة القرآن، وخاصة وردهم اليومي، وقيام الليل.
وفاته:
قبل أسبوع من وفاته - رحمه الله - أصيب بفشل كلوي، ثم وافته المنية في مستشفى العدان فجرا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
الوفاء الصراح لتراجم رجال الإصلاح (دولة الكويت، المجموعة الأولى). عبدالحميد جاسم البلالي. ط1، 2013.
الموقع الإلكتروني: