سعود عبد العزيز الوهيب
المولد والنشأة

ولد المحسن سعود عبد العزيز الوهيب - رحمه الله - عام ١٩٢٠م الموافق العام ١٣٣٩هـ، وكان أكبر إخوته فهد، وسعد (توفي)، ومبارك وعلي وأربع بنات. وقد نزحت عائلته من حوطة بني تميم في المملكة العربية السعودية إلى الكويت ضمن هجرة الآلاف من أبناء نجد بحثا عن الفرص الأفضل للمعيشة والاستقرار.
أوجه الإحسان في حياته
زرع الله - تعالى - حب الخير في قلب المحسن سعود الوهيب - رحمه الله وظهر ذلك جلياً من خلال الروايات التي ذكرناها آنفاً، ولكن خطواته العملية نحو عمل الخير بشكل دائم بدأت بعد حضوره دروس الشيخ سليمان الجراح - رحمه الله - بمسجد السهول في منطقة ضاحية عبد الله السالم بالكويت، ومن وقتها وتدفق نهر العطاء للمحسن سعود الوهيب - رحمه الله، فكانت أول رحلة خيرية له في حياته إلى جمهورية السودان، ثم الجمهورية اليمنية ثم توالت سفراته العمل الخير حتى رحل عن دنيانا الفانية، ولا تزال أعماله - بحمد الله - قائمة كصدقة جارية تجرى له بالحسنات إلى ما شاء الله - تعالى.
وفي هذا الصدد يقول عنه د. خالد الشطي الذي قابل المحسن سعود الوهيب قبل وفاته :
"نفذ هذا المحسن أكثر من ثلاثين مشروعا خيريا في عدد من الدول الإسلامية التي يزورها بنفسه ويطلع على مكان المشروع والحاجة الفعلية له ثم يقوم بالاطلاع على المخططات الهندسية له ويقوم بتنفيذ المشروع الخيري ويزوره خلال العام مرات متكررة، زار اليمن وكمبوديا والسودان، ونفذ فيها العديد من المشاريع الخيرية من أمواله الخاصة في بعض الدول الأخرى عن طريق لجان الخير في الكويت فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء"، وفيما يلي بعض مجالات عمله الخيري - رحمه الله:
أولا : عمارة المساجد
المساجد بيوت الرحمن، تنشر في القلوب الضياء، وتنثر على الألسنة الشكر والثناء، وتبعث في النفس الطمانينة وتنزع منها الضغينة، وكان المسجد الذي تأسس في السودان الشقيق باكورة أعمال المحسن سعود الوهيب الخيرية حيث أنشأه - رحمه الله - قبل مسجده بمنطقة العارضية بالكويت، وهو من المساجد الكبرى التي أسسها - رحمه الله، وتم تأسيسه في ضواحي العاصمة الخرطوم في أوائل الثمانينات، ولم يسجل عليه اسمه، بشهادة ابنه رشيد الذي وثق هذه المادة.
1 - مسجد الوهيب في العارضية
أسس المحسن سعود الوهيب - رحمه الله - مسجداً كبيراً بمنطقة العارضية بالكويت في أوائل الثمانينات وتحديدا في عام ۱۹۸۲ وتم افتتاحه في الأول من أبريل عام ۱۹۸۳م، وأطلق عليه اسم مسجد الوهيب وهو معروف في المنطقة بالكامل. ومن ذكريات ابنه رشيد عن مرحلة تأسيس هذا المسجد قوله: "إن المحسن سعود الوهيب - رحمه الله سعى في عمل الخير والاستزادة منه، حيث كان يشارك العمال والبنائين ويعمل بيده منذ الصباح وحتى المساء رافضاً أن يتنحى جانباً ويوفر صحته، حتى أتم الله له ذلك واكتمل البناء وتم افتتاح المسجد". وتسلمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المسؤولية عنه، ولا يزال المسجد قائما يشهد على عطاء هذا الرجل وحبه للخير.
۲- مسجد الخير في صنعاء
اليمن من البلاد التي أحبها المحسن سعود الوهيب - رحمه الله - وأقام فيها عدداً من المشروعات الخيرية يذكر منها ابنه رشيد المسجد الكبير الموجود حتى الآن في شارع تعز بمدينة صنعاء، ويعرف باسم مسجد الخير، وقد تأسس هذا المسجد على نفقة المحسن سعود الوهيب - رحمه الله، بل وتحت إشرافه وملاحظته الدائمة، حيث تم بناؤه وافتتح للصلاة عام ١٩٨٤ تقريباً، والمسجد يتصف بأن له مئذنة واحدة مرتفعة، وهو ذو مساحة كبيرة تسع أكثر من ألف مصل، وبه مكتبة عامرة، وسرداب مصلى للنساء بنفس حجم المسجد .
ومنذ تأسيسه ولم يتوقف المحسن سعود الوهيب عن السفر إليه عدة مرات في السنة للصيانة والرعاية ومعرفة ما يحتاجه من لوازم. ومن اللطيف أنهم حضروا بثراً أثناء بناء هذا المسجد، وأفاض الله عليه من نعمه وبركته في هذا البئر الارتوازي الذي أصبح مزارا للناس؛ لأنه من العجائب حيث إنه ممتلئ بالماء ولا ينضب أبدا، فضلاً عن عذوبة مائه وحلاوتها، فترى يومياً طوابير سيارات نقل المياه (التناكر) تترى لتعبئ منه الماء العذب وتنقله للأماكن المحرومة، وذلك منذ الصباح حتى المساء تسحب منه ولا ينضب، واشتهر بين الناس أنه أنقى وأعذب ماء في مدينة صنعاء بالكامل، وأخذ شهرة عظيمة بفضل الله - تعالى - وأصبح الجميع يعرف بئر مسجد الخير، والحمد لله أولاً وآخراً.
ومنذ تأسيس المسجد الكبير بتعز وهو يحتضن كبار العلماء وكبار القراء والخطباء، وما زالت تعقد به الندوات والمحاضرات على مستوى اليمن وصنعاء ولهذا المسجد قصة رواها ابنه رشيد الوهيب عندما سافر مع أبيه إلى الجمهورية اليمنية بعد انتهاء بناء هذا المسجد فيقول: «كنت أنا وأبي جالسين وقت اقتراب المغرب خارج المسجد نشاهد ونتابع صب الماء من البئر إلى التناكر وأيضاً تخصيص جانب لسقاية الماشية والغنم، وسبيل لسقيا الناس، وأسمع الوالد يكرر هذه الجملة كلما رأى هذا المشهد المهيب قائلاً: هذا فضل من الله ومنة، ويبكي ويحمد ربه ويشكره على ما وهبه من نعم.
ثانيا : التبرع لبيت الزكاة في الكويت
لم ينس المحسن سعود الوهيب - رحمه الله - أن يدعم الأنشطة الخيرية في بيت الزكاة بجانب من تبرعاته فساهم بمبلغ ۲۷۰۰۰ د.ك (سبعة وعشرين ألف دينار كويتي) كصدقة وزكاة لأمواله وجعلها - رحمه الله - لصالح مشاريع صندوق الزكاة، وخصص جزءاً منها لصالح الأسر المتعففة داخل الكويت.
ثالثا: موائد إفطار الصائم ومشروعات خيرية في مكة
اعتاد المحسن سعود الوهيب عادة طيبة تتمثل في عمل مائدة رمضانية يومية الله في الحرم المكي الشريف في شهر رمضان من كل عام، ولذلك كان - رحمه - يبكر كل عام ويذهب من شعبان ويبقى هناك حتى بعد العيد، وكان يرافقه في الغالب ابنه رشيد الذي يروي لنا أنهم كانوا يشترون رطباً من الزلفي وعنيزة بالمملكة العربية السعودية وهم في الطريق إلى مكة المكرمة، حيث اتخذ والده هناك سكناً دائماً عبارة عن شقة في عمارة الكعكي - ما تزال موجودة حتى يومنا هذا - شاهدة على أفعاله - رحمه الله، حيث كان يخزن فيها التمور التي يجلبها بكميات كبيرة وبعض المواد الغذائية الأخرى. بالإضافة إلى القهوة والشاي. وكان يبدأ مائدته الرمضانية مع أول يوم في رمضان وتنتهي بانتهائه، وظلت هذه العادة الطيبة ملازمة له طوال حياته حتى قبل وفاته بأعوام قليلة، وطلب من ابنه رشيد أن يستمر في تقديم هذه الخدمة لعباد الرحمن، والقيام على خدمتهم وإطعامهم في رمضان من كل عام. ويؤكد ابنه رشيد ما سبق بقوله: "وبالفعل نأخذ التمور إلى هذه الشقة في شعبان من كل عام وتبقى حتى رمضان، حيث نوزعها بالحرم يومياً، كما يتم عمل مائدة رمضانية عامرة يوميا في داخل الحرم لعدد كبير جداً من الصائمين تشمل تمراً وقهوة ومأكولات أخرى"، وكان حريصاً على ذلك أشد الحرص رغبة فيما عند الله - تعالى.
كما كان المحسن سعود الوهيب - رحمه الله - يقدم تبرعات عديدة في مكة المكرمة ويساهم كذلك في مشروعات خيرية هناك منها أنه أنشأ دار أيتام بواسطة الشيخ بن سبيل - رحمه الله.
رابعاً، حث الناس على التبرع وإنشاء مشروعات خيرية لآخرين
وكان - يرحمه الله - يقوم بتنفيذ بعض الأعمال الخيرية للمحسنين في الكويت، أو يتلقى التبرع منهم وينشئ به مشروعاً خيرياً لصالح صاحبه، حيث إنه محل ثقة وكذلك بسبب كثرة سفرياته في سبيل العمل الخيري ، ومن ذلك ما جاء على لسان اللواء متقاعد محمد إبراهيم ابن المحسن إبراهيم محمد المعجل - رحمه الله، عن أوجه الإحسان في حياة والده قائلا : «ساهم المحسن إبراهيم المعجل - رحمه الله - في بناء العديد من المدارس أو تمويل بنائها وترميمها من خلال تقديم مبالغ من المال للحاج سعود الوهيب الذي كان كثير السفر إلى الدول الإسلامية في إفريقيا وآسيا لدعم المشاريع الخيرية، وافتتاح مشاريع جديدة كالمساكن لحل مشكلة الإسكان وتوفير مأوى للشباب حديثي الزواج، أو غير القادرين على إقامة منازل ودور الأيتام، أو غير ذلك من المشاريع الخيرية النافعة»، وذلك وفق رواية الحاج سعود الوهيب - رحمه الله - التي نقلها عنه اللواء محمد إبراهيم المعجل
خامساً : تأسيس قرية الكويت للأيتام في مملكة كمبوديا
لقد بشر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم بأنه رفيق له في الجنة فما أكرمه من جزاء وما أجزله من عطاء. وقد أدرك المحسن سعود الوهيب - رحمه الله ذلك فقدم جهوداً كبيرة مادية ومعنوية في تأسيس قرية الكويت للأيتام في مملكة كمبوديا، وذلك بمشاركة كوكبة من المحسنين من أهل الكويت الكرماء ومن خلال جمعية إحياء التراث الإسلامي، حيث ساهم - رحمه الله - في تكاليف تأسيس المدرسة، ودور الأيتام، بل أسس وحدة خاصة للأيتام على نفقته وأطلق عليها اسم أخته. وجاءت فكرة إقامة قرية الكويت للأيتام في مملكة كمبوديا إثر عدة زيارات ميدانية للمسلمين تبين من خلالها مدى الحاجة والعوز الذي يعانيه المسلمون وخصوصاً الأيتام منهم، حيث لاحظ المحسن سعود الوهيب أن الأيتام من أبناء المسلمين يواجهون صراع الجوع والعوز فلا تعليم ولا مساكن ولا معين تتلقفهم قوارع الطرق وتترصد لهم النوائب من كل حدب فقد عانى المسلمون الكثير خلال فترة الحروب التي خاضتها مملكة كمبوديا، فجاءت فكرة إقامة قرية تحتضن الأيتام لتكون أملا بزغ في حياة الأيتام المسلمين في كمبوديا من جديد، حيث تفترش مباني القرية خدماتها على مساحة (۲۰۰۰۰ متر مربع وتتضمن العديد من الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية والمهنية والثقافية والغذائية وغيرها .
سادسا : مشروعات في إندونيسيا
شارك المحسن سعود الوهيب - رحمه الله - في تأسيس عدد من المشاريع في دولة إندونيسيا ، ويقرر د. خالد الشطي - الذي أجرى لقاء مع المحسن سعود الوهيب لرسالته لدرجة الدكتوراه - ذلك بقوله : "نفذ رحمه الله العديد من المشاريع الخيرية في إندونيسيا وكان أولها في عام ١٩٨٤ حيث كان يزورها مرة أو مرتين في العام"، ومن ضمن مشروعاته هناك ما يلي:
1 - مزرعة للأيتام
شارك - رحمه الله - في شراء وإقامة مزرعة متكاملة للأيتام مع مجموعة من المحسنين وأهل الخير في الكويت، بهدف الإنفاق من ريعها على دار الأيتام في إندونيسيا، وقد نفذ هذا المشروع جمعية إحياء التراث الإسلامي في الكويت.
2- مسجد ومدرسة
أسس المحسن سعود الوهيب - رحمه الله - مسجداً كبيراً في إندونيسيا وأسس مدرسة ملحقة بهذا المسجد وملاصقة له بواسطة جمعية إحياء التراث الإسلامي.
3- حفر الآبار
كما ساهم - رحمه الله - بنفقات وتكاليف حفر عدة آبار في إندونيسيا بواسطة جمعية إحياء التراث الإسلامي، بإشراف السيد أحمد الزواوي وهو إندونيسي، وقد سافر - رحمه الله - إلى إندونيسيا ورأى الآبار بنفسه ورأى الأيتام في منطقة باجور أو ماتان وذلك في فترة التسعينيات.
وفاته:
بعد رحلة طويلة قضاها في عمل الخير توفي إلى رحمة الله تعالى المحسن الكبير الشيخ سعود عبد العزيز الوهيب يوم الجمعة 4 صفر عام 1430هـ الموافق 30/1/2009.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
الكويت. بيت الزكاة. سلسلة محســـــــــنون من بلـــــــدي ، ج10، 2013.
الموقع الإلكتروني:
https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%2010.pdf