سالم المبارك الصباح (حاكم الكويت التاسع)
مولده:
ولد الشيخ سالم المبارك الصباح في عام ١٢٩٤هـ، الموافق ١٨٧٧م .
توليه الحكم:
تولى الشيخ سالم المبارك الصباح مقاليد الحكم في فبراير 1917 بعد وفاة أخيه حاكم الكويت الشيخ جابر المبارك الصباح.
أولاده:
كان للشيخ سالم المبارك الصباح تسعة أبناء،
خمسة من الذكور، دعيج - صباح - فهد – علي- عبدالله، وأربع بنات ، سبيكة - حصة – عائشة- بيبي.
صفاته وأخلاقه:
عُرف عن الشيخ سالم المبارك الفروسية والشجاعة، والتدّين والعفّة، وحب العلم والعلماء، وتفقد المحتاجين والفقراء، وكان يخرج ليلاً متخفياً ويطرق أبواب الأسر المحتاجة لمساعدتهم حتى سماّه أهل الكويت جابر العثرات(.
«لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك »
قصر السيف ويظهر فوقه العبارة الشهيرة "لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك"
ويعتبر الشيخ سالم المبارك أول حاكم وضع العبارة الشهيرة « لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك »على قصر السيف.
تسميته ب «جابر العثرات »
أطلق أهل الكويت لقب «جابر العثرات »على الشيخ سالم المبارك، لما رأوا من إحسانه وعطفه وحبه للخير، ومساعداته الكثيرة للضعفاء والمحتاجين، وكان يخرج ليلاً متخفياً ويطرق أبواب الأسر المتعففة والفقيرة، ليقدم لها المساعدات، وكان يتفقدها دورياً، خاصة أثناء الحرب العالمية الأولى، وما صاحبها من وقف الإمدادات الغذائية.
وللشيخ سالم قصة مشهورة في تاريخ الكويت، ذكرها الشيخ عبدالله النوري في كتابه حكايات من الكويت، فقد كان الشيخ سالم يساعد أسرة كويتية تأثرت اقتصادياً بأزمة الحرب العالمية، وافتقرت بعد غنى، فكان الشيخ سالم يطرق عليهم الباب كل شهر ليلاً متخفياً ليقدم لها المساعدات، ويسرع بعد تقديمه المال لئلا يعرفونه ، وفي مرة من المرات أمسك به صاحب البيت، وأزال اللثام عن وجه الطارق فإذا به الشيخ سالم المبارك حاكم الكويت فاعتذر منه، وَقَبِل الشيخ سالم اعتذاره، شريطه أن لا يُخبر أحداً بإحسانه إليه، إلا بعد وفاته، وبعد وفاة الشيخ سالم أخبر بالقصة أهل الكويت. وقد افتقرت أسر متعففة كثيرة وتوقفت عنها المساعدات الدورية بعد وفاة الشيخ سالم، فعلم أهل الكويت بأن من كان يقوم بها آنذاك، هو حاكم الكويت الشيخ سالم المبارك الصباح.
تشجيعه لأعمال البر:
كان الشيخ سالم يشجع أبناء الكويت على أعمال البر والمعروف ويعينهم عليه، فقد كان المحسن عبدالعزيز الدعيج يأتي بالماء يومياً من آبار الشامية إلى موقع السبيل الذي أعدّه لتوفير الماء المجاني لأهل الكويت، وكان يأتي به يومياً بعد صلاة الفجر من خلال بوابة الشامية ، وكان الشيخ سالم يجلس في كشك مبارك بعد صلاة الفجر فيسمع صوت الإبل وهي تدخل من بوابة الشامية، فيقول ما هذا الصوت، فيقال له إنها إبل عبدالعزيز الدعيج تأتي بالماء لأهل الكويت، فيثني عليه خيراً ، كما حضر الشيخ سالم المبارك عند القاضي للشهادة على وصية ثلث عبدالعزيز الدعيج عام 1919 م.
تبرعه بالأراضي لبناء ا لأوقاف الخيرية:
وعندما قام التاجر المعروف والمحسن الكبير هلال فجحان المطيري بتجديد مسجد هلال عام 1916، وأراد بناء أوقاف خيرية لمسجده، تبرع الشيخ سالم المبارك بالأراضي لبناء الأوقاف الخيرية عليها، وعددها أربعون دكاناً .
ومن رحمة الشيخ سالم المبارك برعيته خفّض الضريبة من 10 % إلى 4%، فكثرت المواد المستوردة من شتى أنحاء الدول وألغى الرسوم على البضائع الصادرة من الكويت ، كما تبرع ببناء عمارة على ساحل البحر مقابل مسجد الخليفة وأوقفها على مصالح المسجد.
مدح الشعراء له:
وقد مدحه الشعراء لكرمه وعطفه وإحسانه، وقد أكثر الشاعر الضرير صقر الشبيب من مدحه في ديوان شعره بقصائد كثيرة، كما كان يوجّه له رسائل ونصائح خاصة بالخدمات المقدمة في البلاد، ويدعوه إلى تطويرها وتنميتها.
وقد كان الشيخ سالم يكرمه ويحسن إليه ويتفقد احتياجاته حتى ملك قلبه، وعندما أراد صقر الشبيب إصدار ديوانه الشعري جعل إهداءه للشيخ سالم المبارك،
استمرار عيش بن عمير في عهده:
حينما أسس الشيخ مبارك الصباح بعد تقلدّه الحكم، عريش عيش بن عمير، بجانب منزله لعمل وجبات الغداء يومياً لضيوف الكويت والفقراء والمساكين وعابري السبيل والسجناء، وكان يستفيد من هذا المضيف يومياً ما يقارب من 150 – 250 شخص، وكان يشرف عليه مبارك بن عمير.
استمر عيش بن عمير في إطعام الناس بعد وفاة الشيخ مبارك في عهد الشيخ جابر المبارك، واستمر الشيخ سالم المبارك أيضاً في الإشراف على المضيف.
وبعد وفاة مبارك بن عمير عينّ الشيخ سالم المبارك ناصر بن مبارك بن عمير ليكمل مسيرة والده، واستمر المضيف برعاية حكام الكويت، الشيخ أحمد الجابر والشيخ عبدالله السالم، حتى أُغلق عام 1958م، بعدما توسّعت البلاد وانتقل الناس للسكن في المناطق الجديدة وقلّ عدد المستفيدين من هذا المضيف.
تشجيع على تأسيس المدرسة المباركية:
نشأ الشيخ سالم المبارك محباً للعلم، وتتلمذ على يد مجموعة من علماء الكويت، ودرس الفقه على يد الشيخ أحمد الفارسي، وبعد تقلده الحكم عينّه مستشاراً له ، وكان يراجعه في كثير من الأمور، وكان يصلي خلفه يومياً صلاة الفجر في مسجد الحداد وعندما أراد أبناء الكويت تأسيس المدرسة المباركية، كأول مدرسة أهلية نظامية تطوعية عام 1911 م في عهد الشيخ مبارك الصباح، توجهوا إليه لاستشارته، ولأخذ موافقة والده الشيخ مبارك الصباح لبناء المدرسة، لعلمهم بحرص الشيخ سالم على التعليم.
وافتتح الشيخ سالم المدرسة المباركية عند بنائها وتشييدها ، وفي سنة من السنوات عنّ الشيخ سالم المبارك الشيخ عبدالعزيز الرشيد مديراً للمدرسة المباركية.
التدين وحبه للعلم:
وكان لصلة الشيخ سالم بالعلماء وتتلمذه على أيديهم، دور في حبّه للدين والتعفف والأخلاق القويمة، فقد كان محافظاً على شعائر الدين وعدوّاً لدوداً للفسق والفجور، وحينما تقلّد الحكم طهّر البلاد من أماكن الفساد، وكان يخرج ليلاً مع حرسه لتعقب تلك الأماكن التي يرتادها بعض ضعاف النفوس والإيمان، حتى طهّر الكويت من تلك البيوت.
حبه لسماع دروس الوعظ:
وكان الشيخ سالم يحب سماع الدروس والمواعظ، وقد طلب من الشيخ أحمد الفارسي أن يقدم له المحاضرات الوعظية والدروس في مسجد السوق الكبير.
وكان الشيخ سالم المبارك يُكرم العلماء ويقدرهم ويساعدهم، ويوفر احتياجاتهم ويقضي حوائجهم، فيوفر لهم المنزل، ويسألهم عما يحتاجونه، ويتفقدهم في ذلك.
قاضي الكويت في عهده:
أحبّ الشيخ سالم المبارك العلماء والفقهاء وقربّهم منه، وعنّ الشيخ خالد عبدالله العدساني قاضياً ومُفْتياً في الكويت وهو عالم وفقيه وشاعر.
أبرز ا لإنجازات في عهده:
شهدت الكويت في عهد الشيخ سالم المبارك مجموعة من الإنجازات منها:
توصيل أسلاك البرق للكويت:
فقد وافقت الحكومة البريطانية عام 1912 بمد أساك البرق للكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح، لكنها لم تقم بذلك إلا في جمادى 1335 ه الموافق عام 1917 م في عهد الشيخ سالم المبارك.
تشغيل ماكينة تحلية المياه:
حيث اشترى الشيخ مبارك الصباح في عام 1914 ماكينة لتحلية مياه البحر، لكن لم يتم تشغيلها إلاّ في عهد الشيخ سالم المبارك عام 1919.
بناء السور الثالث عام 1920م:
بعد المعارك التي خاضتها الكويت للدفاع عن نفسها في عهد الشيخ سالم المبارك بنى أهل الكويت السور الثالث عام 1920 لصد هجمات الطامعين بالكويت، واستمر بناء السور لمدة شهرين بدأوه في شهر رمضان، وقد تطوع أبناء الكويت بالأموال للبناء، كما تطوعوا ببنائه من غير أجرة، حُباً وتفانياً في حفظ أمن بلادهم، وتبرع الشيخ سالم المبارك بمائتي ألف روبية للمساهمة في بناء السور . وكان طول السور 6400 م، وقد احتوى على خمس بوابات و 26 برجاً . وعينّ الشيخ سالم المبارك مختارين في كل مناطق الكويت لحفظ الأمن والنظام فيها.
بناء سدود المياه:
بنى الشيخ سالم المبارك سدّين لحفظ مياه الأمطار وعدم وصولها إلى البحر ليستفيد منها الناس، وذلك في منطقة الدَّمْنه، وقد تم تسمية هذه المنطقة عام 1952 م باسمه (منطقة السالمية).
الأمن في الكويت:
شهدت الكويت في عهد الشيخ سالم الكثير من الأزمات والتهديدات من القبائل المجاورة الطامعة بالكويت، وقد حرص على استتباب الأمن الداخلي فعنّ مختارين لحفظ الأمن والنظام فقد تعرضت الكويت لعدد من الهجمات من القبائل المجاورة، وحدثت معارك، منها معركة حِمض عام 1919 ومعركة الجهراء عام 1920 ، وحفظ الله الكويت وحكامها وشعبها من كل تلك الهجمات والاعتداءات، واضطرت الكويت لبناء السور الثالث عام 1920 لصد تلك الأطماع.
فقد كانت الأوضاع الأمنية في الكويت متوترة في عهد الشيخ سالم المبارك، حتى قيل بأن الشيخ سالم لم يهنأ بنوم، لا بليل ولا نهار، وكان يقضي ليله ونهاره في قلعته بدروازة عبدالرزاق التي تطل على بادية الكويت، وقد اتخذ تلك القلعة اصطبلا وديواناً ومجلساً له، من خلاله يتعرف على الداخلين والخارجين من الكويت.
الحصار البريطاني الاقتصادي على الكويت:
جاءت أزمة الكويت مع بريطانيا نتيجة لمواقف الكويت الإيجابية مع الدولة العثمانية عندما دخلت الحرب العالمية الأولى ضد بريطانيا وحلفاءها، وقد كان للكويت حكاماً ومحكومين ذلك الموقف الإيجابي الداعم للدولة العثمانية، حيث أمدّتها بالمال والسلاح والغذاء من خلال تجار الكويت الذين كانوا يوصلون ذلك إلى الدولة العثمانية المحاصرة في سوريا، مما أدى إلى اتخاذ بريطانيا قراراً بحصار الكويت اقتصادياً وإقامة مكتب جمركي لمراقبة البضائع الخارجة من الكويت، لكنها فشلت في ذلك، واستطاع أبناء الكويت إيصال الكثير من المال والسلاح والطعام للدولة العثمانية بموافقة ودعم من حاكم الكويت الشيخ سالم المبارك ، بالرغم من توقيع الكويت مع بريطانيا معاهدة حماية للكويت ضد الأطماع الخارجية منذ عام 1899 م.
وقد ضيّقت بريطانيا على الكويت بحصار شديد، وقد أدّى الحصار الاقتصادي إلى خسارة الكويت اقتصادياً، وخسارة التجار وفقد أموالهم، وتعرض الكثير من التجار للخسارة المالية، وتعرضت الأسر المتوسطة ومحدودة الدخل إلى مشاكل مالية وفقر شديد، وكان للشيخ سالم المبارك الدور الكبير في تقديم كل ما استطاع أن يقدمه لأهل الكويت، وقد بذل جهوداً كبيرة حتى تم تسميته بجابر العثرات.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قدّمت بريطانيا تعويضاً للكويت بمبلغ نصف مليون روبية، جرّاء الحصار الاقتصادي عليها، وأهدته الحكومة البريطانية وسام نجمة الهند عام ١٩١٩م .
وقد كان للشيخ سالم المبارك دور إيجابي عظيم أثناء الحصار والحرب، بتخفيض الضرائب على البضائع، تسهيلاً على التجار ودعمه لهم وتقديراً لظروفهم .
الأعمال الخيرية في عهده:
ظهرت العديد من الأعمال الخيرية في عهد الشيخ سالم المبارك الصباح، منها:
بناء المساجد:
حرص أبناء الكويت على بناء المساجد في كل أزمانهم، وقد بنى شملان الرومي مسجد علي الشملان من ثلث ولده على عام 1920 م بعد استشهاده في معركة الجهراء عام 1920 م.
التبرع بالأوقاف الخيرية:
تبرع عدد من المحسنين والمحسنات من دولة الكويت بالعديد من الأوقاف الخيرية والأثلاث والوصايا الخيرية في عهد الشيخ سالم المبارك، كما شهد الشيخ سالم عدد من هذه الأوقاف والوصايا بنفسه أمام القاضي ليكون شاهداً على تلك الأوقاف والوصايا الخيرية، ومن تلك الأوقاف والوصايا:
- سلامة بنت فرحان
- فاطمة بنت غانم الحريص
- محمد بن سعود
- ساره بنت عبدالله الهدية
- صالحة بنت عوض
- صالحة بنت حمد
- محمد بن ابراهيم بن جلال
- سعدة بنت مسعد العقيفي
- عبدالعزيز أحمد الطيار
- أحمد إبراهيم مهدلي الوزان
- آمنة بنت علي
- محمد بن عبدالعزيز المطوع
- عبدالرحمن وفهد عبدالعزيز البحر
- مريم بنت عبدالمحسن الناصر
- حجي بن عنبر الدّلال
- هلال بن فجحان المطيري
- عبدالعزيز الدعيج
سداد ديون الغارمين:
أسقط كثير من التجار ديونهم عن المتضررين من الحصار الاقتصادي على دولة الكويت ، وقد ضربوا بذلك أروع الأمثال على سخائهم وجودهم.
وفاته:
تُوفي الشيخ سالم المبارك الصباح في يوم الثلاثاء 15 جمادى الثانية 1339 ه الموافق 23 فبراير 1921 إثر سكتة قلبية بعد مرض أصابه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
حكام الكويت مآثر خيرية ومواقف إنسانية، تأليف د.خالد يوسف الشطي، ط1، 2022م، مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني - فنار.
الموقع الإلكتروني: