تَعَفَّفَ .. فعافى اللهُ حَقَّهُ

من ويكي خير | موسوعة العمل الإنساني
من روائع وبدائع القصص الواقعية والافتراضية في الصدقات انتقاء وتعليق د.محمد الملا الجفيري
من روائع وبدائع القصص الواقعية والافتراضية في الصدقات انتقاء وتعليق د.محمد الملا الجفيري

تفاصيل القصة

دخل علي رجل في مكتبة المسجد قبيل صلاة العيد وبيده ظرف وضع به مالا وقال : هذه يا شيخ ٥٠٠ دينار للرجل الشايب المتعفف.

فقلت له: شكرا لك، ولكن قد قضيت حاجة الرجل، بل وسلمناه فوق حاجته، فقال: أنا أريد مالي يصل لهذا الرجل بالذات، سواء احتاج إليه الآن أو مستقبلا. أخذت المظروف من الرجل، فإذا هو ثقيل (يبدو أن الـ ٥٠٠ دينار كانت من فئة العشرات)، وكان من عادتي تفريغ ما في جيب ثوبي من الحاجات في درج في المكتبة والخروج خفيفا سواء للصلوات أو الخطبة، وأخذت المظروف - من باب الزيادة في الحرص على المال - فجعلته بين مصحفين في جملة مصاحف للتوزيع المجاني على رفٍ مخصص عندي في المكتبة.

فلما صلينا العيد، وانشغلت بعد الخطبة بالتبريكات ثم الجلوس في ديوانية المسجد مع أهلها لتبادل أطراف الحديث وشرب القهوة وشيء من التمر والحلويات، اتصلت بصاحبي الذي يعمل في المبرة، وأخبرته عن التبرع، فقال لي: (إن شاء الله بعد العيد أمر عليك لأخذه وإيصاله). عند ذلك لم أشأ أن أحمله معي خشية من الضياع أو السرقة، فقررت إبقاءه بين المصاحف.

ودارت الأيام تلو الأيام، فشرد عن ذهني ذلك المظروف، ونسيته مع زحمة الالتزامات والانشغالات بل أزعم أن الله أنسانيه وأنساه صاحبي أيضا لحكمة بالغة يريدها، ستظهر في نهاية القصة

مر على المظروف عام كامل ولم يطرأ لي على بالي البتة، وفي شهر رمضان المبارك، وفي ليلة ۲۷ اتصل بي أحد الفضلاء قائلا: يزورنا هذه الأيام حفظة صغار لا يتجاوز الواحد منهم خمس أو سبع سنوات من دول آسيا الوسطى، وهم لا يعرفون العربية، ويحفظون القرآن كاملا، ومنهم من يحفظه مع رقم الآية والصفحة فرتبنا استضافة لهم بين الأربع ركعات من صلاة التهجد، ثم أخبرني الرجل الفاضل المصطحب لهم أنهم سيغادرون الكويت في الغد، وأنهم بحاجة إلى مصاحف يذهبون بها إلى بلادهم (أذربيجان و اوزباکستان ونحوها).

فقلت له: تفضلوا مكتبة المسجد، لدي رف مخصص المصاحف التوزيع، وهي باحجام والوان وخطوط متعددة، فليختاروا ما يناسبهم تم أحضرت كرتونا خاليا. وبدأت أحمل بيدي مجموعة من المصاحف واعطيها للاخ الفاضل ليضعها في الكرتون وسبحان الله العظيم، كنت أحمل قرابة ثلاثة مصاحف دفعة واحدة وأضعها في يد الرجل، ويضعها هو الآخر في الكرتون، فلما حملت المجموعة الخامسة أو السادسة وإذا بي أجد ظرفا أسفل تلك المجموعة، فأخذته وإلى تلك اللحظة لم أتذكره، ثم قرأت ما عليه فإذا هو خطي، مكتوب فيه (٥٠٠) دينار للشايب المتعلف في منطقة الدوحة، يسلم ليد أبي يوسف ال...... لايصاله بعد العبد).

هنا.. تذكرت الرجل المتبرع الذي دخل علي قبيل صلاة العيد، وعجبت من طول مكت المظروف بين المصاحف، مع أن توزيع المصاحف يتم باستمرار لكل من يرغب وازداد عجبي أن المظروف حفظ لصاحبه، الذي عف فعافى الله حقه، وقد كان بالإمكان أن يظل بين مصحفين يوضعان في الكرتون ويذهب إلى باكستان أو اذربيجان أو قرقيزستان.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر:

محمد الملا الجفيري. من روائع وبدائع القصص الواقعية والافتراضية في الصدقات. الكويت: دار مرويات للطباعة والنشر، 2020م.

الموقع الإلكتروني:

https://fanarkwt.com/2021/04/27/%D9%85%D9%86-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D9%94%D8%B9-%D9%88%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D9%94%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7/