أحمد عبد المحسن المرشد

من ويكي خير
أحمد عبد المحسن المرشد
أحمد عبد المحسن المرشد

أحمد عبد المحسن المرشد

يُرجِع المرشدُ بدايتَه مع العمل التطوعي والخيري إلى موقفين، أحدهما يمثِّل البداية لعمله التطوعي، والآخرُ يمثِّل البدايةَ لعمله الخيري. ومن ثَمَّ فسنعرِض لهذين الموقفين، ونقف عند بعض الملاحظات المهمة فيهما.

يقول المرشد: "أول موقف في العمل التطوعي، أذكره بصورةٍ واضحة تمامًا: كان بدون مبالغة وعمري ثمان سنوات"، ومن الواضح أن هذه البداية كانت في سنٍّ مبكرة، وتعبّر عن ميولٍ داخلية لدى الطفل، وجدت فرصةً للظهور كما سياتي الآن في سرد أحداث هذا الموقف.

يقول: "كان أول يوم في النادي الصيفي - وكان نشاطًا حكوميًّا مفيدًا في شغل أوقات الأطفال في الصيف حيث لا مدرسة - عام (1963)، وكان النادي يقع في مدرسة "هدى شعراوي" في حولّي، وكنّا ذاهبين لنُسجِّلَ فيه، مع إخواني وأبناء عمّي، وكنّا سبعةً. فكان هناك شخصٌ على الباب، يسجّل الاسم والعمر فقط، وقد لاحظته جيدًا، ووجدت بجواره كرسيًّا خاليًّا، لعله لشخصٍ آخر يساعده وهو غير موجودٍ لسبب أو لآخر. وعندما غادر الوالد، وانصرف جميع أصحابي إلى الألعاب الممتعة المشوّقة التي كان النادي يحتوي عليها؛ وجدت نفسي أجلس بجوار هذا الشخص على الكرسي الخالي، فاستغرب الرجلُ من عدم دخولي للعب مع أقراني. ثم لم يلبث أن أراد القيام لحاجةٍ له، فوجدته يتوجّه إليّ بالسؤال: "تعرف تكتب؟" والغريب أنني شعرتُ بسعادةٍ غامرة من سؤاله، وأجبته بالإيجاب، فطلب مني أن أكتب اسمَ وعمرَ مَنْ يدخل من المستجدّين. وبالمناسبة فإن هذا الشخص ما زال موجودًا حفظه الله، هو الأخ الكبير: بديع الرَّقم، وقد تدرج في الجيش حتى وصل إلى رتبة عقيد.

فكان هذا أول عملٍ تطوعي أقوم به. وربما يكون من المبالغة أن أقول: إنني شعرت أنني كملِكٍ على هذا الكرسي، وأنا أقوم بهذه الخدمة التطوعية، حتى إن بعض أولياء الأمور كانوا يتعجبون من قيامي بهذا العمل.

واستمر ذلك العملُ التطوعيُّ كلَّ يوم، فكنتُ أدخل النادي لألعبَ بعض الوقت، ثم أرجع وأمارس العمل التطوعي في تسجيل المستجدين إلى جواره".

نلاحظ في هذا الموقف أنه على بساطته قد طبَع في نفسية هذا الطفل وذهنه: الاستمتاع بالعمل التطوعي، واستشعار أنه يقدِّم للآخرين خدمةً مفيدة، كما نلاحظ أن الشخص الكبير قد شجّع الطفلَ على هذه المساعدة، وهو الأمر الذي ترك أعظمَ الأثر عليه. فكم من موقفٍ يسير يكون له الأثر الجليل.

ومن هنا بدأت مسيرة المرشد التطوعية، التي استمرت عقودًا كثيرة، فيقول: "من هذا العمل بدأتُ بالأعمال التطوعية بمختلف أنواعها، في المدرسة، في الإذاعة، في تنظيم أي شيء، حتى أول دورة فتوّة في الكويت – قبل استحداث التجنيد – كنتُ مشاركًا فيها، وكنت الأولَ على دفعتها ولله الحمد، وكذلك العمل التطوعي في الجمعيات التعاونية، وجميع ذلك تطوّعيٌّ بدون مقابل ولله الحمد". ليختم المرشد بالتعبير عن محبّته الشديدة للتطوّع خدمةً للكويت وأبنائها: "كان حبّي للعمل الخيري والتطوعي وخدمة الكويت، وعلى مرّ السنين؛ وقودًا لا ينتهي ورغبة لا تنفد، وتلك نعمةٌ عظيمة من الله سبحانه وتعالى وتوفيقٌ منه".

نصل الآن إلى الموقف الذي كان بدايةً لتعلق المرشد بالعمل الخيري، والذي كان مرتبطًا بشعيرةٍ عظيمةٍ تجمع بين الجهاد بالنفس وبالمال، وهي عبادة الحجّ. يقول المرشد: "ذهبت إلى الحج عام (1985) حاجًّا بالسيارة مع الوالد رحمه الله والوالدة حفظها الله وأخي برّاك وعمتي عائشة رحمها الله، مع حملة فيصل البصيري. وعندما وصلنا وأخذونا بالباصات، وأول ما نزلنا إلى العمارة التي فيها مقر الحملة؛ رأيتُ الشباب الإداريين منظّمين في مجموعات ويتحركون في سائر الاتجاهات يقومون بأدوار متعددة، فاخترتُ أن أشارك في لجنة السقاية متطوِّعًا، بأن أوزع الماء في الأدوار العليا على النساء، ثم بدأت أساعد في أدوار إدارية نظرًا لحُسْن خطي فشاركت في لجنة العلاقات العامة مع بو عبد الرازق عيسى العتّال، وبدأتُ اخط لهم أسماء الحجّاج ونعلّقها على الغُرف، واستمرّ ذلك إلى أن ذهبنا إلى مِنًى في يوم التروية، ولم يكن التنظيم متطوّرًا مثل الآن، فكان الحجيج يأكلون على الأرض مثلًا، فكنت أساعد في سقيا الحجيج، وبخاصة كبار السن. وفي هذه الأثناء استشعرتُ لأول مرةٍ طعمَ عبارة: "جزاك الله خيرًا" من حجيج مسنين في يوم التروية، فما أحسنَ هذا الدعاء!".

تُوقفنا هذه البداية على الأهمية العظيمة للعبادات، وبخاصة ما فيه نوعُ مشقّة؛ في تأصيل قيم الخير والتعاون ومساعدة الآخرين، وفي ذلك دلالةٌ أكيدة على أن العبادات مع مغزاها الأصلي في الإخلاص لله ورجاء رضاه: أن فيها من المعاني التربوية والاجتماعية ما يجلّ عن الوصف، فالعبادات مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج، لها من الآثار التربوية والاجتماعية ما يفتح أمام الإنسان آفاقًا من الأعمال النافعة لوطنه وإخوانه وعموم المسلمين بل البشر أجمعين، فنِعمَ بدايةُ العمل الخيري العبادات.

كان لهذا الموقف تأثير متواصل في دخول المرشد مجال العمل الخيري، فيقول: "ومع ملاحظتهم ذلك النشاط، وعندما كوَّن حمد الخالد حملته في العام التالي، طلبوا مني أن أكون إداريًّا معَهم، وذهبتُ معهم أعوامًا متواصلة، من عام (1986-1989)، وخدمتُ في شتى المجالات، حتى تخصصت في الأمور الإلكترونية، مثل تجهيز السماعات والميكروفونات، فكانت هذه بدايتي في العمل الخيري".

وعلى هذه الأرضية الثابتة ترسّخت قدما المرشد في مجال العمل الخيري، وهو المجال الذي اتسع مع ظروف الاحتلال العراقي الغاشم، حيث يحكي المرشد عن هذه الفترة وأثرها: "عند حدوث الاحتلال، ومنذ اليوم الثاني مباشرةً، حين وصلتُ البحرين، وكان يوم الجمعة؛ ذهبت إلى السفارة، وتجمعنا ثمانية من الكويتيين، وكانت السفارة تعجّ بالمواطنين، ونظّمنا أنفسنا وأخذنا بيانات جميع الحاضرين، حيث كانت السفارة خاليةً من طاقمها في ذلك الوقت بسبب الإجازات. وبدأنا في عملية الإسكان التي كنتُ مسؤولًا عنها، حيث أخذتُ جميع الغرف الخالية في فنادق البحرين، وأسكنّا جميع الكويتيين فيها، حتى أعطتنا الحكومة في البحرين جزاهم الله خيرًا بيوتًا كانت مسجلة ومجهزة للبحرينيين. واستمررتُ في اللجنة الشعبية حتى التحرير. وبعد التحرير مباشرةً شكَّلنا اللجنة الكويتية للعمل التطوعي بالتعاون مع الشيخة أمثال الأحمد الجابر الصباح، وانضم إلينا العديد من الشخصيات الفاعلة، حتى دخلت الجمعية الخيرية الكويتية لخدمة القرآن الكريم وعلومه".


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر:

بداياتهم مع العمل الخيري. عبدالمحسن عبدالله الجارالله الخرافي، 2021.

الموقع الإلكتروني:

https://www.ajkharafi.com/files/5216/4658/0234/8a524ea063321d71414208eab11c58fe.pdf