محمد صالح الحمدان
المولد والنشأة
ولد المحسن محمد صالح الحمدان في شهر مايو عام ١٩٢٩م الموافق لعام ١٣٤٨هـ بدولة الكويت، وكان من رواد العمل الخيري، ولكنه كان من الجنود المجهولين الذين لا يريدون شهرة، ولا يعرف عنه الكثير من الناس سعيه لعمل الخير، لا سيما أن توثيق الأعمال الخيرية لم يكن معروفا آنذاك، ناهيك عن التفكير فيه. كما أن كثيراً من محسني الكويت - بل محسني المسلمين أجمعين - يؤثرون كتمان أعمالهم رجاء قبولها ؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يُظلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى في. ظله يوم لا ظل إلا ظله، وعد منهم: «وَرَجُل تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ). وإن كنا نحن نوثق سير هؤلاء المحسنين؛ فإنما نوثقها بعد وفاتهم تخليداً لسيرهم أولا ثم تشجيعاً لغيرهم ثانياً .
أوجه الإحسان في حياته
الإحسان أوسع أبواب الرحمن إلى دخول الجنان، وهو باب كذلك المحبة الخالق الكريم المنان، قال تعالى: "وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". سورة البقرة، 195. وهو أضمن الدروب للفوز بمحبة القلوب ولقد تعددت الأعمال الخيرية للمحسن محمد صالح الحمدان، حيث تميز - رحمه الله - بأنه أقام على نفقته الشخصية عددا من المشاريع الخيرية وعدداً آخر على نفقة محسنين آخرين وبعض أهل الخير من الكويت، وعن ذلك قال المحسن نفسه - رحمه الله - في مقابلة أجراها معه د . خالد الشطي إنه ما زال حتى تاريخ إجراء الحوار معه في ١٩٩٩/٦/١م يقوم ببناء العديد من المساجد سواء من أمواله الخاصة أو من أموال أهل الخير الكثيرين الذين يوكلون إليه مهمة بناء مساجد لهم في مصر». فطالما استعبد الإنسان إحسان وقد ساهم - رحمه الله - في معظم المساجد والمستوصفات التي أسسها في مصر حيث كان يسافر إليها عدة مرات كل عام لمراقبة مشاريعه الموجودة هناك وخاصة في المناطق الريفية وأكثرها مساجد كان يحرص على بنائها في مدينة المنصورة وضواحيها بمحافظة الدقهلية، حيث له علاقات أخوية كبيرة مع أهل الخير في تلك المنطقة.
ويمكن تفصيل المشروعات الخيرية التي أسسها - رحمه الله - أو أشرف عليها على النحو التالي
أولا : عمارة المساجد:
رغم زيارة المحسن محمد صالح الحمدان - رحمه الله - لعدد من الدول العربية في بداية انطلاق مسيرته الخيرية مثل سوريا ولبنان إلا أنه أحب مصر وأهلها بشكل خاص بعد زيارته لها لأول مرة عام ١٩٥٩م حيث تعاون معه عدد من الفقهاء والمشايخ والأئمة هناك وارتبط بهم ارتباطاً كبيراً. ولا غرابة في ذلك فقد كانت مصر قبلة لكثير من أهل الخير الكويتيين. والسعوديين وغيرهم، لما لها ولغيرها من بلاد المسلمين من مكانة خاصة في قلوب الكثيرين، ومنهم المحسن محمد صالح الحمدان الذي وفقه الله لتنفيذ عدد من المشاريع الخيرية في جمهورية مصر العربية، كالمستوصفات الطبية والصيدليات وغيرها، حيث تعددت زياراته المصر منذ عام ١٩٥٩م. وقد قام - رحمه الله - ببناء أول مسجد على نفقته الخاصة في محافظة الدقهلية بمصر في فترة الثمانينيات لإدراكه الثواب العظيم لبناء المساجد. ودورها في تنشئة الأجيال وحماية النشء، وأن "من بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهُ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّة". رواه البخاري ومسلم.
مسجد الحمدان بالكويت
وإذا كان لمصر النصيب الأوفر من عمل المحسن محمد صالح الحمدان الخيري، فما كان له أن ينسى مسقط رأسه وبلده الأصلي (الكويت)، وقد وفق الله - تعالى - المحسن محمد صالح الحمدان - رحمه الله - لبناء مسجد بمنطقة مشرف في الكويت حيث أنفق - رحمه الله - من ماله الخاص وجهده في سبيل تأسيس هذا المسجد حتى تم افتتاحه في غرة المحرم عام ١٣٩٨هـ الموافق 1 ديسمبر ۱۹۷۸، ولله الحمد والمنة وما زال المسجد في موقعه الحالي في الشارع السادس بقطعة ٤ بالقرب من مبنى الخدمات بجمعية مشرف التعاونية وقريبا من منزله - يرحمه الله.
ثانيا : رعاية الوقف الخيري
حرص المحسن محمد صالح الحمدان - رحمه الله - على رعاية الوقف الخيري وتنميته كباب من أبواب الخير الممتدة في الإسلام، فالدال على الخير كفاعله، فقد تولى - رحمه الله - مسؤولية الوصاية على وقف تركته له خالته وجعلته وصيا عليه للإشراف على رعايته وصيانته وتنميته والإنفاق من ربعه في ما يعود بالنفع والأجر والثواب للموصي وذلك وفق نص وصيتها - رحمها الله. يقول المحسن محمد الحمدان - رحمه الله - في المقابلة التي ذكرناها آنفاً :
في عام ۱۹۷۰م تركت خالتي - رحمها الله - وصية خيرية أوقفت بموجبها جزءا من أموالها للصرف على وجوه الخير كافة، وجعلتني وصيا على هذه الوصية، وقمت - بفضل الله تعالى - بتنفيذ عدد من المشاريع الخيرية من ربع هذه الوصية ومنها ما يلي:
- بناء معهد أزهري متكامل من عام ١٩٧١ تقريباً .
- بناء العديد من المساجد في قرى مصر وضواحيها قاربت الثلاثين مسجداً.
ثالثا : كفالة الأيتام
يقول ابنه عبد الرحمن الحمدان في مقابلتنا معه: «عند وفاة الوالد - رحمه الله - وجدت عنده نوتة (مفكرة) مكتوب فيها أنه كان يكفل ٢٦ ولداً وبنتاً من الأيتام بمحافظة القاهرة، وأنه كان يرسل لهم الكفالة والمساعدات من ماله الخاص شهرياً وفق الكشوف التي وجدناها . وقد كان مسجلا بهذه المفكرة أسماء وعناوين وأماكن كل يتيم منهم بالإضافة الوسيلة الاتصال به أو الوسيط الذي يوصل له المال، وقد كان يمر عليهم - رحمه الله - بنفسه كثيرا خلال زياراته للقاهرة، وعندما لا يتمكن من السفر يقوم - رحمه الله - بتحويل المال لهم مباشرة، أو يوصله لهم عن طريق بعض أهل الخير (الوسطاء).
رابعا : التطوع بماله ووقته للأعمال الخيرية
إيماناً منه رحمه الله - بقول الله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) سورة الحجرات، 10. لم يتوان المحسن محمد صالح الحمدان عن متابعة مشاريعه الخيرية في مصر لحظة واحدة فكان يقوم - رحمه الله - بالسفر إليها أكثر من ست مرات تقريبا في السنة الواحدة لمتابعة هذه الأعمال، ومنها المساجد والمستوصفات والصيدليات ودور الأيتام، وهي كما ذكرنا على نفقة بعض المحسنين من أهل الكويت وبمساهمة منه أيضا وبعضها الآخر على نفقته الخاصة، بل إنه كان يقوم بدفع تذاكر السفر والإقامة وتحمل جميع النفقات من أمواله الخاصة بشهادته هو - رحمه الله - وشهادة ابنه في ما بعد.
حيث يقول عن ذلك بنفسه قمت بالتنسيق مع المسؤولين في سفارة دولة الكويت في مصر ومع بيت الزكاة الذي تم إنشاؤه عام ۱۹۸۲، لإنشاء المساجد وكفالة الأيتام ومساعدة الأسر الفقيرة، وكنت أقوم بتنفيذ هذه المساجد والمشاريع الخيرية التابعة لها بنفسي من خلال الزيارات المتكررة في العام وأقوم بدفع تذاكر السفر والإقامة وتحمل كل النفقات من أموالي الخاصة وهذا من فضل الله - تعالى - علي فالحمد لله رب العالمين.
وقد بذل - رحمه الله - الجهد والوقت في سبيل إنجاز أكبر كم من المشاريع الخيرية وأكثرها خدمة للمسلمين وخاصة للفقراء والمحتاجين في النسبة للمساجد مثلا كان يبدأ من مرحلة تعيين مكان الأرض وإعداد الخرائط الهندسية، ثم التأسيس مروراً بجميع مراحل البناء والاتفاق مع المقاولين والمهندسين والعمال وغيرهم حتى يتم - بفضل الله تعالى - تنفيذ المسجد ثم متابعة تأسيسه وفرشه وتخصيص بعض وجوه الإنفاق عليه، حتى يطمئن قلبه ويصبح العمل في أحسن صورة وأتمها - بفضل الله تعالى.
وبعد الانتهاء من المشروع كان - رحمه الله - يقوم بتصويره وتسليم الصور للمتبرعين، وكان البعض منهم يذهب إلى جمهورية مصر العربية للاطلاع على مسجده، فينشرح صدره بهذا العمل الطيب المبارك الذي سيكون صدقة جارية له في حياته وبعد مماته - إن شاء الله تعالى. وبجوار هذه المساجد عمد المحسن محمد صالح الحمدان إلى تنفيذ بعض المشاريع الخيرية الملحقة لكل مسجد تسمح مساحته وإمكانياته بذلك فأنشأ مستوصفات وصيدليات. ويضيف ابنه عبد الرحمن عن ذلك قائلاً: "دأب الوالد طوال هذه السنوات على مساعدة المحتاجين من أمواله الخاصة وأموال أهل الخير الذين كانوا يثقون به بحمد الله فقد كان الوالد يقوم بجمع الأموال من المحسنين في الكويت لتأسيس المساجد والمستوصفات والمراكز الصحية في جمهورية مصر العربية وخاصة القرى المحيطة بمدينة المنصورة حيث تركزت معظم مشروعاته الخيرية"، وقد ساعده في تنفيذ أعماله الخيرية وبناء المساجد رجل من أهل الخير يدعى الشيخ محمد أبوزيد (أبو وليد).
ومن القصص التي يذكرها ابنه أن والده إذا رأى أن المشروع يتطلب أموالا لتكملته فيقوم بتصويره ويحضر إلى الكويت ليطلب من بعض المحسنين التبرع لتكملة المسجد أو المشروع. وإذا أخذ مساعدة من أحد المتبرعين للبناء كان يراقب المشروع ويتابعه حتى مراحله النهائية وفي كل مرة يسافر إلى مصر يقوم بتصوير هذا المشروع وذلك لإعلام صاحب التبرع بذلك كنوع من أداء الأمانة التي تحملها لوجه الله - تعالى. ويذكر ابنه عبد الرحمن أن والده - رحمه الله - قد قام بتنفيذ عدد من المساجد على نفقة الفريق الركن الشيخ أحمد الخالد الصباح، حيث تبرع بتكاليف تأسيس أربعة مساجد بناها له الوالد في ضواحي مدينة المنصورة بإشراف كامل ومتابعة دائمة منه.
تعاونه مع بيت الزكاة
كان المحسن محمد صالح الحمدان - يرحمه الله - مؤمناً بالعمل الجماعي والمؤسسي، وبأهمية التنسيق مع المسؤولين والمختصين في هذا المجال لكي يتم العمل على أحسن وجه، وقد ارتبط - رحمه الله - بعلاقة قوية مع بيت الزكاة في الكويت الذي وضع فيه ثقته خاصة وأن قيادات البيت على دراية عن قرب بأعماله رحمه الله، ولذلك فقد تم تكليفه من قبل بيت الزكاة بالإشراف على تنفيذ عدة مشاريع لصالح بيت الزكاة في مصر وخاصة في مدينة المنصورة وضواحيها .
وفاته:
بعد حياة حافلة بالعمل والجد والعطاء والبذل في سبيل الله - تعالى - توفي المحسن محمد صالح الحمدان إلى رحمة الله تعالى عام ١٩٩٩م في دولة الكويت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
الكويت. بيت الزكاة. سلسلة محســـــــــنون من بلـــــــدي ، ج10، 2013.
الموقع الإلكتروني:
https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%2010.pdf