عبدالله محمد شاهين الغانم
المولد والنشأة:
ولد المغفور له بإذن الله تعالى الحاج عبدالله محمد شاهين الغانم في عام 1914م، في فريج الشيوخ وسط مدينة الكويت، وهو من أشهر المناطق القديمة والمعروفة آنذاك في دولة الكويت.
والمحسن عبدالله محمد شاهين الغانم - رحمه الله - هو الابن الأكبر (البكر) لوالده محمد شاهين الغانم - رحمه الله - وكان من نواخذة الكويت المعروفين، وهي مهنة والده شاهين الغانم (جد عبدالله)، الذي يعتبر من أشهر أصحاب السفن الشراعية في عصره في الكويت، وأنجب أربعة من الأبناء هم: خليفة ومحمد وجاسم وعبدالرحمن، عملوا جميعهم في مهنة والدهم وهي التنوخذ.
وقد نشأ المحسن عبدالله الغانم - رحمه الله - محاطاً برعاية أبوين، كان لهما الفضل في تعليمه القرآن وتأديبه بآداب الإسلام، الأمر الذي كان له دور محوري في تشكيل شخصيته فيما بعد.
أوجه الإحسان في حياته:
تميز المحسن عبدالله شاهين الغانم - رحمه الله - بكرمه وجوده، وكان إحسانه تقرباً لوجه الله بعيداً كل البعد عن الرياء، فكان يحسن للجميع بأقواله وأفعاله، ونصحه وعفوه وإصلاحه بين الناس، وأمواله ومساعداته، ولكن إحدى الصعوبات التي تواجه كل باحث متتبع لسيرة المحسن عبدالله محمد شاهين الغانم - رحمه الله - وتواجه أيضاً أبناءه: أنه كان يعمل وينفق في أوجه الخير سراً، فلم يحيطوا بكل الوجوه التي بذل فيها الكثير.
كما حرص المحسن عبدالله الغانم - رحمه الله - على المساهمة في كل أعمال الخير والمشاريع الخيرية التي تقوم بها اللجان الخيرية في دولة الكويت وتدعوه للمشاركة فيها، من خلال الدعم والإسهام في بناء أو توفير ما ينتفع به الناس في داخل الكويت وخارجها. وذلك لما تميزت به هذه اللجان من صدق وأمانة ومهنية وتقديم المساعدات للعديد من الدول العربية والإسلامية.
ومن أعماله التي علم بها أولاده منه قبل وفاته ما يلي:
عمارة المساجد وبناؤها:
بيوت الله تعالى في الأرض هي المساجد، وهي موطن الإيمان يأوي إليها وفد الرحمن وضيوف الله، وللمسجد في الإسلام دور كبير في إحياء الإيمان وبعث الفكرة الإسلامية في نفوس المسلمين، فتوجهوا نحوها بالعناية والرعاية، وقد وعد الله كل من طاف بهذه المساجد الخير الجزيل حتى جلوسه فيها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ).
واغترف المحسن عبدالله الغانم من بحر الجود الرباني والعطاء الرحماني بتعهد المساجد وبنائها، وذلك من خلال الأعمال الآتية:
تأسيس مسجد في "بيت صافا" بالقدس الشريف:
لما كان المحسن عبدالله الغانم - رحمه الله - يتلمس حاجه المسلمين خاصة في البلاد التي يزورها، فقد وجد في إحدى رحلاته إلى القدس الوضع المؤلم في بلدة "بيت صافا"، القريبة من القدس في فلسطين المحتلة، حيث لا يوجد مكان مناسب لإقامة الصلاة فيه، واستوقفه هذا الأمر وقرر أن يبذل ماله في سبيل بناء مسجد لله تعالى هناك تقام به شعائر الصلاة، عملاً بقول الله سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)}. سورة الجن.
وهو مسجد جامع تقام فيه صلاة الجمعة، وكان هذا العمل خير ما يقدمه لأهالي هذه البلدة الطيبة في القدس، وقربة إلى الله تعالى ليكون في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون.
الوقف على مسجد القدس:
لما كان - رحمه الله - يتمتع بشخصية جمعت بين التجارة وحب عمل الخيرات، فقد أمر ببناء محال تجارية على نفقته بالقرب من المسجد الذي أسسه في بيت صافيا، لتؤجر ويستثمر ريعها في تمويل مستلزمات المسجد بصفة دائمة، أي أنه جعل ريعها وقفاً دائماً للإنفاق على مصروفات المسجد، لتكون صدقة جارية له إن شاء الله تعالى.
الإنفاق الدائم على بعض مساجد المملكة المتحدة:
بعد أن تلمس - رحمه الله - النقص في بعض المستلزمات الخاصة للمساجد في المملكة المتحدة من خلال زياراته المتعددة، سارع - رحمه الله - بتزويد هذه المساجد بالحاجيات المهمة، لتؤدي دورها على أكمل وجه، خاصة في دولة غير مسلمة، وكانت هذه العطايا من المحسن عبدالله الغانم خير سبيل لتحقيق الوصية القرآنية بالإنفاق في سبيل الله تعالى القائل في كتابه العزيز: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}. سورة البقرة.
وقد كانت إسهاماته في هذا المجال بالمملكة المتحدة كثيرة، ولكنها كانت ضمن أعمال الخير التي تعرف عليها أبناؤه قبل وفاته، وكان إفصاحه عنها لسبب واحد هو أن يكمل الأبناء إنهاء ما تبقى من هذه الأعمال الخيرية، في حين بقي الكثير من الأعمال والتبرعات سراً رحل معه ليلقى به وجه ربه الأعلى.
الكرم والسخاء:
كان المحسن عبدالله الغانم - رحمه الله - كريماً ومنفقاً سخياً على أهله وأصدقائه، يجود بما حباه الله به من خير على كل محتاج، فكان يعطي الفقراء ومن هم في عوز.
ومما اشتهر به - رحمه الله - الكرم وحسن الضيافة للمسافرين إلى الكويت من أبناء الخليج، لأن بيته وقلبه كانا مشرعين لكل ضيف، خاصة إذا ما كان ذلك الضيف من خارج الكويت، وكان - رحمه الله – يسعد باستضافة هؤلاء ويقضي حوائجهم، ويذلل المصاعب التي قد يواجهونها في سفرهم، هذا من ناحية. وورث هذا الكرم من جده الأكبر شاهين الغانم الذي فتح ديوانه (ديوان الشاهين)، ليكون ملتقى للأصدقاء والضيوف من داخل الكويت وخارجها حتى وفاته 1942م، كما ورث حب العمل مع أهل البحر، الذين تميزوا واشتهروا بهذا الكرم وصنوف الضيافة العربية الأصيلة.
ومن ناحية أخرى كان - رحمه الله - مؤتمناً من قبل هؤلاء المسافرين، فهم يأتمنونه على بضائعهم وأموالهم، بعد أن عرف عنه أهل الخليج والجزيرة العربية ما عرفوا من أمانة وحسن ضيافة، وذلك الأمر هو ما ورثه عن جده شاهين الغانم - رحمه الله.
مساعدة الآخرين:
كان المحسن عبدالله الغانم - رحمه الله - يمول ويساعد صغار التجار، حتى يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم، بدون أي تربُّح من هذا العمل إلا أن يكون لوجه الله تعالى، ولم يكتف - رحمه الله - فقط بالبذل والعطاء، بل كان يحث الآخرين على ذلك، ويرفع من قيمة عمل الخير في نظرهم.
فكم من تاجر يدين لهذا المحسن الكبير بالبقاء في تجارته وتنميتها، وكم كانت فرحة المحسن عبدالله الغانم وهو يرى إخوانه التجار من حوله يعملون ويجتهدون وقد خفف من أعبائهم وساعدهم على الوفاء بالتزاماتهم، ولم يكن يبخل أو يتوقف بمساعدته يوماً خيفة المنافسة لأن تعامله كان مع الله سبحانه وتعالى.
وقد ذكر أبناؤه أنه - رحمه الله - كان يخصص جزءاً معلوماً من ريع تجارته، ينفقه في التبرعات والصدقات وأعمال الخيرات على مدار العام، عملاً بقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}. سورة البقرة.
موائد الإفطار:
أحب عبدالله الغانم - رحمه الله - عمل الخير في كل أوقات العام. فما بالك بشهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار؟ فقد كان هذا الشهر موعداً لمضاعفة عمل الإحسان لدى هذا المحسن الكريم، فكان يسارع بمد يد العون لكل محتاج ومعوز، ولا ينتظر بحثهم عنه وحضورهم إليه، بل كان - رحمه الله - يأتي هو إليهم في هذا الشهر الكريم ويبحث عنهم، وكان يتتبع أيضاً الأسر المتعففة ويمدها بالمساعدات في هذا الشهر دون مَنٍ أو أذى.
وقد حرص - رحمه الله - على العمل بالسنة النبوية الشريفة في إفطار الصائم، ولذلك كان بيته مقصداً لإفطار الصائمين طوال الشهر الكريم. عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كان لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غير أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ).
وفاته:
بعد حياة مباركة حافلة بأعمال البر وعمل الخير، توفي المرحوم بإذن الله تعالى عبدالله شاهين الغانم يوم 5 شعبان عام 1398هـ الموافق 10 يوليو 1978م.
الكلمات الدالة:
مُحسنون من الكويت - الأوقاف الخيرية - عمارة المساجد - مُساعدة الآخرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
بيت الزكاة. إدارة العلاقات العامة والإعلام. محســـــــــنون من بلـــــــدي (سلسلة تشمل السير العطرة للمحسنين الكويتيين)، ج7، 2003.
الموقع الإلكتروني:
https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%207.pdf