عبدالعزيز حمد عبدالله الصقر
المولد والنشأة:
ولد عبدالعزيز حمد عبدالله يوسف الصقر رحمه الله في منطقة القبلة عام 1330هـ (1911م)، في كنف أسرة عريقة، لها مكانتها في إدارة الحركة التجارية في الكويت، ملكت على مر تاريخها زمام تجارة التمور في المنطقة كلها، فجده الثاني (يوسف الصقر) امتلك عام 1945م سفينة شراعية ضخمة من نوع البغلة، حمولتها أكثر من 750 طناً من التمور، كان يجوب بها الخليج العربي والمحيط الهندي للتجارة، وجده الأول عبدالله يوسف الصقر من النواخذة القلائل المعرفين بخبرتهم، إذ شهدت له سواحل إفريقيا الشرقية بذلك، حيث توفي ودفن هناك.
أما والده فقد عُرف في زمانه بلقب «ملك التمور»، باعتباره وأخيه صقر من كبار ملاك النخيل في منطقة شط العرب وما حولها، ومن كبار مصدري التمور كذلك إلى الهند وسواحل إفريقيا. وقد ذكرنا مسيرته الخيرية في الجزء الثاني من هذه السلسلة «محسنون من بلدي»، إذ كان له سهم وافر في تأسيس المدرسة الأحمدية ومدرسة البصرة الثانوية ومدرسة تربية الأطفال، وتبرع بجزء من أرضه للمستشفى الأمريكي وغيرها. وكذلك أخته شاهه حمد الصقر التي كانت خير خلف لخير سلف فتبرعت بأغلى وأثمن ما تملكه - مكتب الصقر الذي ورثته من والدها - لنصرة فلسطين.
وهكذا فقد نشأ عبدالعزيز الصقر رحمه الله نشأة صالحة في بيئة إيمانية طيبة حفزته على فعل الخيرات والإنفاق في سبيل الله تعالى، وكان ترتيبه الثاني بين إخوته بعد عبدالله، ثم محمد وجاسم وعبدالوهاب أصغرهم، وقد نهلوا جميعاً من معين والدهم المحسن حمد الصقر، فتعلموا ما ينفعهم، وبرعوا في حياتهم.
أوجه الإحسان في حياته:
لم يكن عمل الخير والإنفاق في سبيل الله جديداً على المحسن عبدالعزيز حمد الصقر، بل إنه نهج أصيل تربى عليه من والده وأجداده، وقد ظهر هذا الجانب بجلاء في حياته من خلال مساهمته في عمل اللجنة الشعبية لجمع التبرعات، فكثيرة هي الأقطار التي تبرع لها باعتباره قدوة من قدوات العمل الخيري الكويتي، وبجانب ذلك فقد كانت له يرحمه الله إسهاماته الخاصة في المجال الخيري، ومن ذلك ما يلي:
عمارة المساجد:
كان وما زال لبناء المساجد في الإسلام نصيب كبير في العمل الخيري بصفة عامة، عملاً بقول رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم - محفزاً المؤمنين لهذا الفضل الكبير - «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» (أخرجه أحمد). ومن أجل هذا الثواب فقد حرص المحسن عبدالعزيز حمد الصقر يرحمه الله على تأسيس عدد كبير من المساجد، التي علمنا عنها - فقط - ما يلي:
1- استكمال عمارة مسجد الصقر:
وهو المسجد الذي أسسه والده المرحوم حمد عبدالله الصقر في محلة الصقر بمنطقة القبلة، ثم حل محله - بعد هدمه في إطار التوسع العمراني - مسجد الصقر في العديلية، وتم استكمال عمارة هذا المسجد على نفقة المحسن عبدالعزيز حمد الصقر بمشاركة أخيه المرحوم جاسم الصقر في غرة ربيع الثاني سنة 1403هـ، الموافق لشهر يناير سنة 1983م.
2- مسجد في مدينة البصرة:
وقد بناه مناصفة مع أخيه جاسم الصقر، في منطقة «البراضعية» بمدينة البصرة في العراق، وسُلم بعد استكماله لإدارة أوقاف محافظة البصرة في ربيع الآخر عام 1403هـ، الموافق يناير عام 1983م .
3- مسجد في نيجيريا:
حيث تبرع يرحمه الله عام 2003م، لإنشاء هذا المسجد في نيجيريا - التي تعتبر أكبر دولة إفريقية مسلمة (123 مليون نسمة) عانت ولا تزال ويلات الحروب الأهلية والتقاتل بين المسلمين والنصارى - بتكلفة مقدارها 65302 دينار كويتي.
4- مسجد في الهند:
بنى يرحمه الله هذا المسجد في ولاية كيرلا في الهند، وهي موئل خطواته الأولى في التعليم.
5- مسجد الإخلاص في جمهورية بنين:
وتبرع يرحمه الله ببناء هذا المسجد في ولاية كوتونو بجمهورية بنين بالقارة الإفريقية. (حيث 45% من عدد سكانها البالغ 6.5 مليون نسمة مسلمين).
بناء مركز صحي رائد:
توجه المحسن عبدالعزيز حمد الصقر يرحمه الله إلى باب آخر مميز في عمل الخير وهو بناء المستشفيات والمراكز الصحية، حيث كان والدهما قدوتهما في ذلك؛ الذي تبرع بما يملك من أرض الوطية لتوسعة المستشفي الأمريكي. وسيراً على نهجه يرحمه الله بنى المحسن عبدالعزيز حمد الصقر مع أخيه جاسم يرحمهما الله مركزاً صحياً كبيراً، باسم والدهما عرفاناً بحقه عليهما، ورغبة فيما عند الله تعالى.
حيث تبرعا يرحمهما الله بمبلغ 1600000 د.ك (مليون وستمائة ألف دينار كويتي) لتأسيس هذا المركز، بمساحة قدرها 12500 متر مربع، ويقع شمال شرق منطقة العديلية.
ويتكون من دورين، يشتملان على عيادات عامة للرجال والنساء والأطفال، (أنف وأذن وحنجرة، وأسنان، وأمراض جلدية) بالإضافة إلى مختبرات، وصيدلية، ومركزاً للصحة الوقائية، ومركز إسعاف، ومكاتب إدارية، وستة مكاتب استشارية.
وقف عمارة الخير بالبحرين:
أوقف المحسن عبدالعزيز حمد الصقر عمارة خيرية في البحرين، سماها «عمارة الخير»، وتكلف بناؤها حوالي 16800دينار بحريني (ستة عشر ألفاً وثمانمائة)، وتدار هذه العمارة إلى الآن بواسطة رئيس لجنة الصدقة الجارية والمساجد بالجمعية الإسلامية، وينفق من ريعها في وجوه الخير المتعددة. حيث يحرص القائمين على الوصية على تنويع وتكثير أوجه الإنفاق والإحسان من إيراد هذه العمارة، فشملت المساجد ودعم طلبة العلم وعلاج المرضى ومراكز تحفيظ القرآن الكريم وغيرها.
مشاركته في تأسيس اللجنة الشعبية لجمع التبرعات:
شارك المحسن عبدالعزيز الصقر يرحمه الله في تأسيس اللجنة الشعبية لجمع التبرعات التي أنشئت في الخمسينيات، على أيدي ثلة كريمة من كبار تجار الكويت من أهل الخير الذين نشطوا فيها، وعُرفوا داخل البلاد وخارجها، من خلال سمعتهم الطيبة، وشهد لهم القاصي والداني، بهدف تقديم المساعدات والغوث والمعونة لمن يحتاج إليها في شتى أنحاء العالم بصفة عامة، والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة، لا سيما لدعم القضية الفلسطينية، وضحايا الكوارث الطبيعية.وتم اعتمادها - آنذاك - لتكون الجهة الوحيدة المعتمدة رسمياً لتلقي التبرعات النقدية في الكويت، وإنفاقها فيما تراه من مشاريع خيرية خارج الكويت. وكانت اللجنة عند حسن الظن بها، إذ مثلت نموذجاً يحتذى في مجال العمل الخيري في الكويت، وكانت فتحاً مباركاً على كثير من الدول العربية والإسلامية، فلم تقع كارثة ولم يحدث خطب ما بإحداها إلا سارعت لإغاثتها.
وساهم عبدالعزيز حمد الصقر بتبرعاته من خلال هذه اللجنة المباركة، وهي كالتالي:
- دعم الشعب المصري بعد العدوان الثلاثي عام 1956م:
نظراً لعمق علاقات الأخوة والترابط الكبير بين الكويت وأهلها والشقيقة الكبرى مصر رمز التضحية والفداء من أجل التراب العربي الإسلامي الأصيل، كان المحسن عبدالعزيز الصقر مع أخويه ضمن القائمة الأولى من التجار المتبرعين لمساعدة مصر وأبنائها في هذه الظروف التي كانوا يمرون بها، وقد تبرعوا بمبلغ 100000 روبية (مائة ألف روبية) في نوفمبر عام 1956م وهو مبلغ كبير جداً في ذلك الوقت.
- دعم الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية:
وقف العرب والمسلمون وقفة مشرفة لنصرة القضية الفلسطينية، وساهمت الكويت منذ البداية في تخفيف العبء عن الفلسطينيين، وقدمت مساعدات هائلة لهم، وقد تبرع المحسن عبدالعزيز حمد الصقر - يرحمه الله – مع إخوانه بمبلغ 30750 د.ك (ثلاثون ألف وسبعمائة وخمسون دينار كويتي) في 1/7/1981م، لدعم صمود الشعبين الفلسطيني واللبناني، ولصالح أسر الشهداء والمناضلين.
وعندما قامت الانتفاضة الشعبية في فلسطين وسقط فيها الآلاف من الشهداء والجرحى تبرع المحسن عبدالعزيز حمد الصقر يرحمه الله بمبلغ 20000 د.ك (عشرون ألف دينار كويتي) ، هو وإخوانه عام 1988م، لدعم هذه الانتفاضة المباركة.
- مساعدة شعب بنغلاديش:
تعرضت دولة بنجلاديش لعدد من الفيضانات المدمرة، ومر شعبها بظروف صعبة. وساهم أهل الخير بدولة الكويت في تخفيف المعاناة عن كاهل هذا الشعب المسلم، ومن ذلك ما قدمه المرحوم عبدالعزيز حمد الصقر الذي تبرع بمبلغ 10 آلاف دينار كويتي، للمساهمة في إغاثة شعب بنجلاديش جراء الإعصار المدمر الذي أصابها عام 1981م.
- دعم متضرري زلازل اليمن:
في 13 ديسمبر عام 1982م، ضرب محافظة ذمار في اليمن الشمالي زلزال دمر حوالي 1500 قرية، وعدداً من المدارس والمستشفيات والمساجد والآبار في المحافظة، وتسبب في وفاة أكثر من 1200 شخص، وتشريد أكثر من 265000 شخص. وقد أخذت الكويت على عاتقها عبء مساعدة المنكوبين من خلال اللجنة الشعبية لجمع التبرعات، التي تبرع من خلالها المحسن عبدالعزيز حمد الصقر يرحمه الله بمبلغ 50000 د.ك (خمسون ألف دينار كويتي) بمشاركة إخوانه، لإغاثة المتضررين من زلزال ذمار في اليمن.
- التبرع لصالح الشعب العراقي الشقيق:
حرصت دولة الكويت على دعم ومؤازرة الشعب العراقي المنكوب بحربه مع إيران، والتي خسر خلالها اقتصاده، وأصبح في حاجة ماسة إلى مساعدة الأشقاء العرب والمسلمين، ولذلك قامت اللجنة الشعبية لجمع التبرعات بجهود كبيرة في ذلك. وقد جاء على رأس القائمة الأولى للمتبرعين لمساعدة شعب العراق عام 1986م أبناء حمد الصقر (عبدالله وعبدالعزيز وجاسم)، الذين تبرعوا بمبلغ 50000 د.ك (خمسون ألف دينار كويتي)، وكان تبرعهم أكبر التبرعات في تلك القائمة.
وعندما نودي للتبرع لإعادة إعمار مدينة الفاو العراقية عام 1988م ، لم يتوانَ يرحمه الله عن المبادرة بالتبرع - هو وإخوانه - بمبلغ 20000 د.ك (عشرون ألف دينار كويتي)، وتصدروا أيضاً هذه القائمة وكان ترتيبهم الثاني.
- دعم المجهود الحربي الكويتي:
قدم المحسن عبدالعزيز الصقر يرحمه الله الدعم اللازم للمجهود الحربي الكويتي حيث تبرع بنصف مليون دينار كويتي (500 ألف دينار) هو وإخوته عام 1994م. بعدما حشد النظام العراقي البائد قواته بالقرب من الحدود الكويتية، وسارع أهل الكويت بالتبرع لدعم المجهود الحربي لصد أي محاولة للغدر من الجار الشمالي.
كفالة الأيتام:
ورغبة في نيل ثواب كفالة اليتيم، الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: «..أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» رواه البخاري، ولذلك فقد كفل يرحمه الله عدداً من الأيتام عن طريق بيت الزكاة في الكويت، وما زالت هذه الكفالة قائمة بعد وفاته حتى الآن.
وفاته:
بعد حياة حافلة بالعمل الجاد والإنفاق في سبيل الله، توفي المحسن عبدالعزيز حمد الصقر في 23 مايو 2005م عن عمر ناهز الخمسة والتسعين عاماً بعد خمس سنوات من المرض.
الكلمات الدالة:
محسنون من الكويت - عمارة المساجد - الأعمال الخيرية والإنسانية - الأوقاف والأثلاث الخيرية - مشروعات خيرية وإنسانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
بيت الزكاة. إدارة العلاقات العامة والإعلام. محســـــــــنون من بلـــــــدي (سلسلة تشمل السير العطرة للمحسنين الكويتيين)، ج8، 2008.
الموقع الإلكتروني:
https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%208.pdf