عبدالمحسن ناصر الخرافي

المولد والنشأة:
هو عبد المحسن بن ناصر بن عبد المحسن بن حسن بن علي بن محمد بن عبد الله الخرافي، ولد في حي القبلة بمدينة الكويت أو (جبلة) كما يسميها أهل الكويت وذلك عام ١٣١٢هـ الموافق ١٨٩٤ م.
تلقى تعليمه في الكتاب وتتلمذ على يد أبرز مشايخ الكويت، وكان مولعاً بالعلم منذ صغره، فتعلم تلاوة القرآن الكريم وقراءة الأحاديث النبوية الشريفة.
ينتمي إلى أسرة عريقة اشتهر أبناؤها بالتجارة وركوب البحر منذ استقرارها في الكويت، وتمتد جذوره إلى قرية "الزلفي" إحدى قرى نجد بالمملكة العربية السعودية وهي تلك القرية التي رحل عنها والده ناصر عندما كان صغيراً مع والدته وإخوته الثلاثة أحمد وفلاح وحسين عبد المحسن الخرافي إلى الكويت سعياً إلى نيل حظ من الخير والرزق اللذين يتحدث عنهما الناس في ذاك البلد القريب، وقد عزمت والدتهم على تربية أبنائها تربية صالحة، وإعدادهم للعمل والنجاح في ذلك الميناء الذي تختلف فيه الحياة كثيراً عن الحياة في الزلفي، فأهل نجد أبعد ما يكونون عن البحر وأعماله ولكن حياة البحر والغوص والسفر قد استهوتهم فأقبلوا عليها بكل عزم وإصرار.
وسرعان ما حذقوا مهنة السفر عبر البحار على متون السفن الشراعية حتى أصبحوا نواخذة وملاك سفن، وبجدهم واجتهادهم تنامى دخلهم وتزايدت ثروتهم.
اتصف عبد المحسن بأنه كان مغامراً في تجارته لذا نمت بسرعة بفضل الله وبركته وقد امتلك عدة سفن تجارية، فقد كان من أوائل الذين امتلكوا سفناً شراعية تعمل بالمحركات البخارية، وهكذا اتسعت تجارة عبد المحسن ناصر الخرافي بشكل كبير بعد امتلاكه هذا الأسطول الكبير من السفن.
تزوج عبد المحسن الخرافي وسكن في منزل بالقرب من الساحل في حي القبلة، ورزق بابنه محمد عام ۱۹۱۹م، فأصبح الطفل الذي عقدت عليه الأمال الكبار، فقد نشأ وحيد أبويه بعد موت إخوته صغاراً.
أوجه الإحسان في حياته:
اهتم عبد المحسن الخرافي بالعلم والتعليم طوال حياته، فكان يدعو إلى دعم التعليم وتعميمه في الكويت، حتى ينهل منه كل أبناء الوطن، فقد أخذ على عاتقه مع إخوته من أهل الوطن مهمة تطوير التعليم في البلاد، وإسهاماته الكبيرة في هذا المجال تعد من وجوه الإحسان العديدة لديه.
دعم مجلس المعارف:
كان مجلس المعارف منذ تأسيسه سنة ١٩٣٦م يقوم بدور وزارة التربية، إلى أن تم تأليف أول وزارة بعد استقلال الكويت عام ١٩٦١م، ولم يكن لهذا المجلس ميزانية كافية من قبل الدولة، سوى بعض الرسوم الجمركية المفروضة على التجار، ولذلك كان أعضاء المجلس على التعاقب يشاركون بأموالهم الخاصة في تمويل ميزانيته وفي دعم الكثير من المشاريع التربوية، مثل إنشاء المدارس أو دعم فكرة الزي المدرسي وغيرها، وكانوا فرحين بمشاركتهم هذه بل ويتنافسون في هذا الخير.
وقد اختير عبد المحسن الخرافي عضواً في التشكيل الثاني لمجلس المعارف من عام ١٩٤٧ م إلى ١٩٥١م برئاسة الشيخ عبدالله الجابر الصباح، وقد أسهم الخرافي بالكثير من ماله الخاص في تمويل ميزانية هذا المجلس، خاصة في ما يتعلق منها برواتب المدرسين القائمين بمهمة التربية والتعليم، فقد كان يدرك أن المعلم يمثل حجر الزاوية في العملية التعليمية، وأن رعايته وحسن إعداده ومكافاته تنعكس إيجابياً على أدائه لرسالته السامية لصالح تلاميذه، وهو ما يثمر أجيالاً متعلمة على خير وجه، ولذلك كان عطاؤه في هذا الجانب عطاء كريماً، محتسباً ذلك عند الله سبحانه وتعالى.
فكرة توحيد الزي المدرسي:
كان النهوض بالتعليم في الكويت يشغل حيزاً كبيراً من اهتمام عبد المحسن الخرافي فكان يطمح إلى تأسيس تعليم نموذجي على نطاق المدرسة والمعلم والطالب، فاهتم بفكرة الزي المدرسي الموحد، وتحمس لها تحمساً شديداً، وأنفق من ماله الخاص على تطبيقها حتى نجحت وتم تعميمها على مدارس الكويت آنذاك، بهدف المساواة في الشكل العام بين الطلبة، حتى لا يتضرر الفقير منهم مادياً ونفسياً، وتتم إذابة الفوارق الاجتماعية في المجتمع ويسود التكافل الاجتماعي بين أفراده.
إنشاء المدارس:
وقف عبد المحسن الخرافي بقوة وراء مشاريع تطوير التعليم فأسهم في إنشاء أول مدرسة ثانوية في الكويت، وتولى الإشراف على بعض مراحل إنشائها، ثم أشرف على العملية التعليمية فيها، ولذلك فإن مدارس الكويت تشهد له بحق أنه من المربين الأوائل الذين بذروا بذرة التعليم الصالحة، وبذلوا الجهد والمال والوقت لإنبات شجرتها الوارفة التي تظلل البلاد حتى اليوم.
وقد ساهم عبد المحسن الخرافي في إنشاء العديد من مدارس الكويت في ذلك الوقت. ويشهد على ذلك من عايشوه، فيقول عنه الشيخ عبد الله الجابر الصباح رئيس مجلس المعارف منذ تأسيسه عام ١٩٣٦م وحتى عام ١٩٦١م كان عبد المحسن الخرافي حين يجد بيتاً له ملاصقاً لمدرسة من مدارس المعارف، فإنه يتبرع به الإضافته إلى المدرسة دون مقابل، وإن هذه المواقف لتدل على كرمه وحرصه على دعم العلم تقديراً لمكانته في بناء أجيال الوطن.
دعم البعثات التعليمية:
عندما أراد مجلس المعارف أن يرسل بعثة علمية من الطلبة المتفوقين في المدرسة المباركية عام ١٩٤٣م للدراسة في المدرسة السعيدية بالجيزة ثم بجامعة القاهرة في مصر، وتألفت هذه البعثة من تسعة عشر طالباً، قام عبد المحسن الخرافي بكافة احتياجاتها على نفقته الخاصة مساهمة منه في دعم البعثات وطلاب العلم وتسهيلاً لهم، مصداقاً لقول النبي : «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وهو بعض حديث رواه مسلم
تزايدت بعد ذلك البعثات العلمية إلى مصر، وتم إنشاء بيت للطلبة الكويتيين المبعوثين للدراسة في القاهرة سمي بيت الكويت، وقد قام السيد عبد المحسن الخرافي بزيارته فقدم عدة أفكار ومقترحات مهمة إلى مدير البيت آنذاك السيد عبد العزيز حسين ونشرت في مجلة «البعثة عدد أغسطس عام ١٩٤٩م.
إمداد أهل الكويت بالماء:
عندما كانت البلاد تعاني شحاً في المياه، تسابق أهل الخير والمقدرة إلى التعاون والمساهمة في حل تلك الأزمة، ومن الذين تحركوا في هذا المجال السيد عبد المحسن الخرافي الذي كان يمتلك سفنا كثيرة في ذلك الوقت، فخصص منها سفينة شراعية لحمل المياه العذبة من شط العرب إلى الكويت، وجعلها سبيلاً مفتوحاً لسقاية المحتاجين من أهل الكويت، عملاً بقول النبي : "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، وَمَن كَانَ لَهُ فَضل من زاد فليعد به على من لا زاد له، فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل" رواه مسلم.
ديوان الخرافي:
كان ديوانه في الحي القبلي من الكويت العاصمة، ودواوين الكويت الأخرى في أحياء المدينة، تستقبل يوميا روادها في فترات مختلفة بين ساعات الصباح الأولى بعد صلاة الفجر أو في ساعات المساء، حيث يتم تبادل المنافع والأخبار بين رواد هذه الدواوين، فخير الناس أنفعهم للناس.
فقد كانت هذه الدواوين سمة من سمات أهل الكويت ونواة مبكرة للديمقراطية الحالية . كما أن ديوان الخرافي كان لا يخلو من تقديم الطعام للضيوف وعابري السبيل والمحتاجين ويزداد هذا العطاء في شهر رمضان المبارك حيث كانت تقدم فيه موائد الإفطار يومياً، وكان هذا شأن ديوانه العامر يرحمه الله.
وفاته:
توفي السيد عبد المحسن ناصر الخرافي عام ۱۳۷۵ هـ في آخر فبراير من عام ١٩٥٥م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
محسنون من بلدي (سلسلة تشمل السير العطرة للمحسنين الكويتيين)، ج2. بيت الزكاة، 2001.
الموقع الإلكتروني:
https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%202.pdf