سعود عبدالعزيز سلطان الفليج

4444444
محسنون من بلدي

المولد والنشأة:

ولد المحسن الحاج سعود عبد العزيز سلطان الفليج بمنطقة القبلة (جبلة) في دولة الكويت عام ١٣٢٥هـ الموافق لعام ۱۹۰۷م.

نشأ في كنف أسرة طيبة اشتهرت في دولة الكويت بالجود والكرم والأخلاق الحسنة فقد عرف أبناء أسرة الفليج في داخل الكويت وخارجها بكثرة أعمالهم الخيرية، وقد كان الحاج سعود الفليج - رحمه الله - أحد رموز العطاء وحب الخير في هذه العائلة الكريمة.

صفاته وأخلاقه:

تمتع المحسن الكريم سعود الفليج - رحمه الله - بالعديد من الصفات الرائعة التي ربما لا يتسع المجال لذكرها جميعا، ومن أهمها حرصه على صلاة الجماعة، حيث كان -رحمه الله - عارفاً لفضل صلاة الجماعة في المسجد، فحرص عليها رغبة في كثرة الثواب، ومضاعفة الحسنات، فكان من رواد مسجد حمد عبد المحسن العتيقي ومسجد أبي بكر الصديق قطعة ٥ بمنطقة الشامية، وكذلك كان يفعل عندما يسافر إلى الهند أو أي مكان آخر، إذ لم تكن تلهيه التجارة عن ذكر الله وإقام الصلاة.

ولم يكن محافظاً عليها وقت شبابه وصحته فحسب، بل أيضاً بعدما كبر سنه وداهمه المرض، حتى إنه في الأسابيع الثلاثة الأخيرة قبل وفاته لم ينقطع وكان يصلي على فراشه رغم اشتداد مرضه.

واتصف أيضاً بحفظه الأعراض وحرمات الآخرين، فلم يكن يتكلم ولا يحب أن يتكلم أحد عن غيره، كما كان - رحمه الله - دمث الأخلاق متواضعاً محبوباً من الجميع.

كما عرف عن المحسن سعود عبد العزيز الفليج - رحمه الله - استقامته منذ شبابه وهي عند الشباب خلق نادر، ولعل استقامته كانت سبباً في حب الناس له ونجاح تجارته.

ومما عرف عن المحسن سعود الفليج - رحمه الله - أيضاً الحكمة والروية والحزم وحكمة التاجر ورزانته وترويه في اتخاذ القرار وحزمه في تنفيذه، سبب كبير - بعد توفيق الله تعالى - في زيادة نشاطه واتساع عمله، وقد كان المحسن سعود عبد العزيز الفليج - رحمه الله - مصيباً وموفقاً في معظم قراراته، بتوفيق من الله تعالى.

كما عرف - رحمه الله - بنخوته وفزعته وشهامته ووقوفه إلى جانب الحق، فكان يقول الحق ولو على نفسه، وكان هذا سبباً في زيادة محبيه الذين كان يستقبلهم في ديوانه ويعرفهم جميعاً؛ لما اتصف به من قوة ذاكرته وسرعة تذكره للأشخاص والأحداث جميعاً.

كما عرف عنه - رحمه الله - أنه كان متعاوناً على الخير مع جميع من يعرفهم، وخاصة مع إخوانه من أهل الخير، مما يدل على فهمه لأخلاق الإسلام وعمله بقول الله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ". سورة المائدة، (۲).

ومما اتصف به - رحمه الله - الصدق والأمانة والنزاهة، وهي بين التجار خلق عظيم. لأنها رأسمال التاجر وسمعته بين الناس، وقد تحلى المحسن سعود الفليج - رحمه الله بتلك الصفات، فريحت تجارته وحسنت سمعته وأحبه الناس جميعاً.

أوجه الإحسان في حياته:

إن رجلاً كالمرحوم سعود الفليج - رحمه الله - اتصف بما ذكرنا من الصفات الحميدة وتخلق بهذه الأخلاق الطيبة لابد أن تتعدد أوجه إحسانه وتكثر مجالات بره وعطائه فقد كان عاملاً بقوله تعالى: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وَأَحْسِنُوا إِن الله يحب المحسنين". سورة البقرة، (١٩٥).

فكانت له - رحمه الله - علاقات جيدة باللجان الخيرية داخل الكويت وخارجها، بل إنه كان يمثل إحدى الدعامات الرئيسة لهذه الجمعيات واللجان من خلال دعمه الدائم لها.

بناء المساجد:

أدرك - رحمه الله - أهمية المساجد ودورها الخلاق ورسالتها السامية في بناء الأجيال وصناعة الرجال وتطهير القلوب وغفران الذنوب، فكان حريصا على نيل هذا الثواب من الله، وليس أفضل من إقامة مسجد لله تعالى، يذكر فيه اسمه بالغدو والأصال، ويتربى فيه الشباب والنشء والرجال على نور الرحمن، قال الله تعالى في كتابه العزيز :

"إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين". سورة التوبة، (۱۸). وقد وفقه الله تعالى إلى بناء عدة مساجد في داخل الكويت وخارجها:

أولاً : داخل الكويت:

مسجد بجليب الشيوخ:

عندما لمس المحسن سعود الفليج - رحمه الله - حاجة أبناء منطقة جليب الشيوخ في محافظة الفروانية لمسجد يؤدون فيه صلواتهم ويتوجهون فيه إلى خالفهم ورازقهم بالدعاء والرجاء والتوبة والإنابة وصالح الأعمال، قام ببناء مسجد في المنطقة في السبعينيات، بالتنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وقد سمي هذا المسجد بإسم مسجد فهد الفليج وإخوانه.

ثانياً : خارج الكويت:

لم يقتصر خيره - رحمه الله - على أبناء بلده فحسب، بل حرص على أن يمتد عطاؤه إلى إخوان له في الدين، هم أيضا في حاجة إلى العون والمساعدة، وكله أمل في الله تعالى أن يكون هذا العمل وكل أعماله في سبيل الله تعالى شهوداً له، وأثقالاً في ميزان حسناته يوم القيامة، فتبني - رحمه الله - مهمة بناء مسجدين على نفقته هما:

مسجد في الهند:

كان المحسن سعود الفليج - رحمه الله - تاجراً معروفاً في الهند، وله مكتب هناك يملكه مع إخوته، ولذلك فقد لمس حاجة إخوانه المسلمين هناك إلى مسجد، ولكنهم لم يكونوا يستطيعون البناء لعدم توافر المال لديهم، ولكونهم أقلية، ولعدم اهتمام الحكومة الهندوسية بحاجة تلك الأقلية المسلمة، فبادر - رحمه الله - من فوره بإنشاء مسجد هناك على نفقته، راجيا ثواب الله تعالى على هذا العمل المبارك، الذي قام به - رحمه الله - مساعدة لإخوانه المسلمين على أداء شعائرهم الدينية وتعميرهم للمساجد التي تعتبر بالنسبة لهم منارات علمية وفكرية، بالإضافة إلى تأليف قلوبهم في ظل الظروف التي أشرنا إليها آنفا.

مسجد في نيبال:

لما كانت ظروف المسلمين في النيبال شديدة الشبه بظروف إخوانهم في الهند، من ناحية الحاجة وكونهم أقلية، قام رحمه الله بتأسيس مسجد هناك بالتنسيق مع إحدى الهيئات الإسلامية، وأطلق عليه اسم زوجته الفاضلة "شيخة حمد الغانم" رحمها الله وفاء لها على وقوفها بجانبه في مسيرة حياته، ورغبة في نيلها الأجر والثواب من الله تعالى.

التبرع للجمعيات الخيرية:

وقد مثل هذا العمل وجها آخر من أوجه البر والإحسان المتميزة في حياه المحسن سعود الفليج - رحمه الله - حيث لمس حاجة المسلمين إلى العون والمساعدة وتوفير الطعام والمليس والماوى، فلم يتردد في تقديم العون لهم، ليس من خلال جمعية خيرية أو اثنتين بل من خلال ٥٨ لجنة خيرية تعمل في دولة الكويت في الهند وباكستان الصالح المسلمين، حسب إفادة ابنه موثق هذه السيرة العطرة.

وكان يحرص على أن يقدم تبرعاته وخيراته بنفسه وبشكل مباشر، بل بلغ إصراره وحرصه على عمل الخير درجة عجيبة، لدرجة أنه عندما تعطل البريد بعد تحرير دولة الكويت، قام بإصدار التحويلات المالية من الكويت وإرسالها عبر دبي، واستمر على ذلك الحال حتى توفاه الله تعالى، القائل في كتابه العزيز : "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أَجْرُهُمْ عِندَ ربهم ولا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يحزنون". سورة البقرة، (٢٧٤).

المساهمة في الأمانة العامة للأوقاف:

لما كان المحسن سعود بن عبد العزيز الفليج حريصاً على جريان الخير بعد وفاته فقد ساهم بمبلغ وقفي في الأمانة العامة للأوقاف، عسى الله أن يجعله في ميزان حسناته يوم الحساب.

وقد كان - رحمه الله - حريصاً على الإتفاق بكثرة في مجال الصدقات والخيرات وعدم الإعلان عنها، حرصا منه على زيادة الأجر والثواب.

دوره الوطني:

بلغ الحاج سعود الفليج - رحمه الله - من الإيمان بحب الوطن والدفاع عنه مبلغاً عظيما، فكان من المرابطين إبان فترة الاحتلال العراقي الغاشم لدولة الكويت رغم كبر سنه واعتلال صحته، وعاش خلال فترة رباطه مرفوع الرأس قوي الشكيمة، مدافعا عن وطنه ومسانداً لأبنائه بكل ما يملك لتحرير الوطن الغالي، ولم تفت في عضده تقلبات الأحداث الجسام في تلك الفترة الصعبة من تاريخ الكويت، ومما يذكر عنه أنه قدم الدعم المادي للمرابطين الصامدين في دولة الكويت أثناء الأزمة.

وقد ساهم - رحمه الله - يجهد مميز في دعم صمود الأسر الكويتية المرابطة في داخل الوطن أثناء الإحتلال الغاشم، وموقفه الكريم في هذا الصدد يرويه شاهد عيان في ذلك الوقت، وهو الدكتور عبد المحسن الخرافي رئيس اللجنة المالية التابعة للجان التكافل بمنطقة الشامية خلال الاحتلال العراقي الغاشم، والتي كانت تنسق تدفق السيولة بالدينار العراقي إلى العائلات الكويتية المرابطة في أرض الوطن أن المرحوم سعود عبد العزيز الفليج كان أحد التجار الكويتيين القدوات في دعم الصمود الكويتي، وذلك حين سلم له مبيعات مخازنه بمئات الآلاف من الدنانير العراقية، بلا ضمان سوى الثقة بعودة الكويت، وورقة من قيادة المقاومة تشهد باستلام لجان التكافل منه هذا المبلغ المعين، والذي تكفلت حكومة الكويت في المنفى بإعادتها إلى كل تاجر يقوم يعمل مماثل في سبيل الوطن.

وقد كان لهذه السيولة النقدية وتدفقها أكبر الأثر في دعم صمود الأسر الكويتية في ظل العصيان المدني الذي نفذه جميع أفراد الشعب الكويتي بلا استثناء.

وبالفعل صبر المحسن الحاج سعود الفليج - رحمه الله - حتى ظفر بالحسنيين: عودة الوطن - التي لا يساويها شيء ولا يعدلها ثمن، وعودة رأسماله الذي قدمه عن طيب خاطر لمساعدة إخوانه أهل الكويت المرابطين من خلال لجان التكافل، متجرداً بعمله هذا الله تعالى، وعاملاً بقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نَفْسٍ لَمْ يُبَارَك لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى" رواه البخاري.

وفاته:

بعد حياة مديدة وعمر ناهز التسعين عاما، كانت مليئة بأعمال الخير، وبعد صراع مع المرض لم يطل أكثر من ثلاثة أسابيع، أجاب المحسن سعود عبد العزيز الفليج نداء ربة تعالى: "يا أيها النفس المطمئنة (۲۷) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (۲۸) فادخلي في عبادي (۲۹) وادخلي جنتي"(۲۰) سورة الفجر .

وقد توفي - رحمه الله - في دولة الكويت في الرابع من رجب عام ١٤١٨هـ، الموافق للرابع من نوفمبر عام ۱۹۹۷م، تاركا وراءه الذكر الحسن والسمعة الطيبة من خلال أصدق الأدلة وأقوى البراهين على بره وإحسانه وجوده وكرمه.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر:

محسنون من بلدي (سلسلة تشمل السير العطرة للمحسنين الكويتيين)، ج5. بيت الزكاة، 2003.

الموقع الإلكتروني:

https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%205.pdf