أبي أبي الأبي .. رفع الإيجار

من روائع وبدائع القصص الواقعية والافتراضية في الصدقات انتقاء وتعليق د.محمد الملا الجفيري
من روائع وبدائع القصص الواقعية والافتراضية في الصدقات انتقاء وتعليق د.محمد الملا الجفيري

تَقْدِمَةٌ

لعله ليس من المستغرب في واقعنا أن يمتنع مالك العقار (المؤجر) عن رفع قيمة الأجرة على (المستأجر ) رغم أحقيته القانونية في ذلك، واطراد العرف في ارتفاع الأجرة نسبيا عما قبلها من السنوات.

والواقع يحكي أن حدود العلاقة بين مالك العقار والمستأجر تنتهي عند الحدود القانونية التي تنظم العلاقة بينهما، فعلى الأول توفير مشترطات العقد، وعلى الآخر تقديم الأجرة كاملة في موعدها.

لكن ثمة حكايات وعلاقات لا تخطر على بالي، وليس لها نظائر في عموم الأحوال

أتذكر من حدثني عن رجل عرض أربع شقق في بيته للإيجار بنصف ثمن المثل، ووفر سيارة كبيرة لسائقه وعرض على مستأجريه أن يصطحب أولادهم مع أولاده لتوصيلهم إلى المدرسة يومياً ذهاباً وإياباً.

بل، أراد نوعاً متميزاً من الصدقة، فتكفل هو بتوفير (سلندرات) الغاز التي لا يخلو منها بيت للطبخ، فكان يعبئها ويستبدلها على حسابه لمستأجريه الساكنين معه في المنزل. ومن تلك القصص والأحوال العجيبة .. هذه القصة التي معنا ...

وصاحبها هو والدي الفاضل : ( حسن بن علي الملا الجفيري ) [١٩٤٧م - ٢٠١٦م] رحمه الله رحمة واسعة وجميع موتى المسلمين إليك طرفها وصفوها ، ولا تنس الدعاء له ...

في منزل والدي رحمه الله. ملحقاً مكوناً من غرفتين وحمام ومطبخ، واعتاد خلال سنوات طويلة أن يغلقه ويجعله مخزناً للأغراض.

وفي يوم من الأيام، طلب مؤذن أحد المساجد من أخي أن يسأل له عن ملحق ليستأجره سكنا له ولأولاده، فتكلم أخي مع والدي رحمه الله، فقال: لا بأس. ليسكن الملحق بالمبلغ الذي يستطيعه، وكانت وزارة الأوقاف مشكورة توفر عن طريق الأمانة العامة للأوقاف بدل سكن (۱۱۰) دنانير) ريثما تنتهي الوزارة عن طريق الأمانة من بناء المساكن الوقفية لشاغلي الوظائف الدينية في المساجد، ومن حينها لم يخل الملحق من مستأجر على مدى سنوات.

أتذكر أن آخر مستأجر قبل وفاة والدي، كان رجلاً متديناً صالحاً، وزوجته كذلك. ولهم ابن في غاية الأدب والذوق، وقد بقي مستأجراً للملحق سنوات عديدة بقيمة إيجارية ( ۱۰۰ دينار فقط)، وهي أقل من سعر السوق بقليل في بداية الأمر. حيث كان الملحق السكني في بيت عائلي بمنطقة الجابرية ويشتمل على غرفتين ومطبخ وحمام لا يقل عن ١٢٠ دينارا..

وبعد سنوات من استئجاره، تحدث أخي مع المستأجر عن رغبته في رفع الإيجار. وقال له: لا أريد أن أحدد لك قيمة الزيادة، أريدك أن تعطى الملحق حقه من التقدير للأجرة، فاتفقا على زيادة ٢٠ دينار وقد كانت القيمة الإيجارية ارتفعت على مدى تلك السنوات لتصل ما بين ١٥٠ ديناراً إلى ١٨٠ ديناراً. وطلب المستأجر من أخي تأخير الزيادة بضعة أشهر يبدو الظرف ما لا أذكر أنه أفصح عنه، ولم يسأله أخي عنه .

وانصرف أخي إلى والدي يخبره أنه طلب من المستأجر رفع الأجرة ووافق، فما كان من والدي إلا أن اعترض على صنيع أخي، ورفض أن يزيد الأجرة، وقال كلاماً مفاده أن هذا الرجل وعائلته بهدوئهم وتدينهم وأخلاقهم، لا أرفع على مثله، بل أرغب أن أقول له ادفع ۹۰ بدل ۱۰۰)!

فحاول أخي إقناع والدي، وأن المستأجر راض، وأن هذا أقل من حق الأجرة الفعلية السوقية، فمرر والدي الأمر لكنه قال: إذا لم يستطع دفع الزيادة ورغب في ترك السكن، فسأقول له: اسكن الملحق مجانا بلا أجرة!


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر:

محمد الملا الجفيري. من روائع وبدائع القصص الواقعية والافتراضية في الصدقات. الكويت: دار مرويات للطباعة والنشر، 2020م.

الموقع الإلكتروني:

https://fanarkwt.com/2021/04/27/%D9%85%D9%86-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D9%94%D8%B9-%D9%88%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D9%94%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7/