عبداللطيف سليمان العثمان

من ويكي خير
محسنون من بلدي
محسنون من بلدي

المولد والنشأة:

ولد المحسن عبد اللطيف سليمان العثمان في عام ۱۲۸٤ هـ الموافق لعام ١٨٦٧م، في فريج سعود بدولة الكويت. وهو من كبار نواخذة الكويت، وأحد أشهر النواخذة المعروفين بالخبرة الملاحية والحكمة وسعة الصدر، عمل في مهنة التنوخذ ٣٣ عاماً، ووصل إلى سواحل شط العرب والخليج والهند وزنجبار وسواحل إفريقيا.

وقد نشأ - رحمه الله - في أسرة عركت البحر وأتقنت فنون الملاحة، فكانت سفنها تمخر عباب البحار والمحيطات، وتميز نواخذة السفر الشراعي من عائلة العثمان بإتقان عملهم وحرصهم على تعليم بعضهم، حتى توارثوا هذه المهنة وتناقلوها، وقدموا الكثير من الخدمات والأعمال الجليلة للكويت وأهلها.

وقد جاء أجداد هذه العائلة من نجد، وسرعان ما تأقلموا مع البيئة البحرية الجديدة فعملوا في البحر حتى امتلكوا السفن ليكونوا قادتها، وأصبح للعثمان عدة بيوت وأصبح لكل رب عائلة سفنه الخاصة به وتقف عادة أمام عمارته. وفي هذا دلائل واضحة على التمكن البحري والتفوق الإداري والمالي الذي كان نتيجة طبيعية للتفوق البحري للعائلة.

وليس بغريب لهذا السبب أن يتعارف الناس على تسمية عائلة العثمان باسم العثمان النواخذة تمييزاً لها عن العائلات الأخرى التي تشتهر بالاسم نفسه، وذلك لكثرة من ظهر من بينهم من كبار نواخذة السفر الشراعي في تاريخ الكويت منذ بداية قدومهم من نجد إلى الكويت واستقرارهم بها.

صفاته وأخلاقه:

الأخلاق الحسنة ميزان الرجل المسلم، وقد اتصف - رحمه الله - بالعديد من الصفات الحميدة والأخلاق الفضيلة منها عفة اللسان، وهي أعظم دليل على حسن الخلق واستقامة الضمير، فلم يكن يعرف عنه - رحمه الله - ذكره أو تلفظه بالفاظ تسيء إلى الآخرين أو تقلل من شأنهم، بل كان معروفاً عنه عفة اللسان، وكان متأسياً في ذلك بأخلاق القرآن الكريم ووصايا سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي أوصى بالتعفف في القول، وحفظ اللسان، الذي كثيراً ما يورد صاحبه المهالك. قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل "وهل يكب النَّاسَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إلا حصائد السنتهم " رواه الترمذي.

كما كان - رحمه الله - نزيها في تعامله مع الناس، صادقاً في قوله وعمله ووعده.

وقد صدق الجميع فصدقوه متمسكاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب صديقا ولا يزال يكذب وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حتى يُكتب عند الله كذابا" رواه أحمد في المسند.

أوجه الإحسان في حياته:

حرص المحسن عبد اللطيف العثمان - رحمه الله - على بذل المعروف وتقديم الخير، ابتغاء مرضاة الله تعالى، فكان - رحمه الله - رائدا في عمل الخير والإنفاق في سبيل الله تعالى، خصوصاً في المناطق الفقيرة.

عمارة المساجد:

اجتهد النواخذة من عائلة العثمان في عمارة بيوت الله تعالى، فحرصوا على أن يبنوا بيوتا لله تعالى كلما سنحت لهم الفرصة، واضعين نصب أعينهم ذلك البيت الذي سيبنيه الله عز وجل لكل واحد منهم في الجنة يفضله ومنه وكرمه وإذنه تبارك وتعالى، لقوله الله صلى الله عليه وسلم: "من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة" رواه ابن ماجه.

وعائلة العثمان من أكثر العوائل التي ظهر منها نواخذة سفر، وظهر منها أيضاً أكبر عدد المساجد بنته رجالات ونساء من عائلة واحدة في الكويت، ومن ضمن بيوت الله تعالى التي بناها آل العثمان الكرام وتم حصرها داخل الكويت تسعة مساجد منها مسجد المحسن عبد اللطيف سليمان العثمان في ضاحية عبد الله السالم، وفي خارج الكويت بنوا أربعة مساجد، اثنان منها للمحسن عبد اللطيف العثمان.

مسجد عبد اللطيف العثمان بضاحية عبد الله السالم:

خير بقاع الأرض المساجد، وبناء المساجد من أقرب القربات وأفضل الأعمال عند الله تعالى، وأثقلها في ميزان المرء يوم القيامة، وهكذا كان شأن المحسن عبد اللطيف العثمان - رحمه الله - الذي أسس مسجداً جامعاً - أطلق عليه اسمه -عام ١٣٨٩ هـ الموافق لعام ١٩٦٩م، بالقطعة الثالثة في ضاحية عبد الله السالم في دولة الكويت وهو يتميز بلونه الأصفر اللافت للنظر ومئذنتيه الجميلتين، وأسلوبه المعماري المميز ونقوشه الجميلة من الداخل والخارج.

المساهمة في إعمار مسجد عبد العزيز العثمان:

ويقع مسجد عبد العزيز العثمان على ساحل البحر في منطقة القبلة بمدينة الكويت، وقد أسسة المرحوم عبد العزيز بن عثمان عام ١٣٢٥هـ الموافق لعام ١٩٠٧م بمعاونة بعض محسني الكويت - حسب ما بينت اللوحة المثبتة على بابه من قبل دائرة الأوقاف العامة - ويشغل موقعه الأول الجزء الشرقي من مواقف السيارات الرئيسة بمجلس الأمة.

وأعيد بناؤه عام ١٣٧٢هـ (١٩٥٢م) على نفقة كل من ابن أخته المحسن عبد اللطيف سليمان العثمان وابنه عبد الوهاب العثمان وأحمد محمد الغائم ودائرة الأوقاف العامة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية حاليا.

وأخيراً أعيد بناؤه على نفقة ورثة المرحوم عبد الوهاب عبد العزيز العثمان عام ١٤١٠هـ (۱۹۹۲م) بفريج العثمان على شارع الخليج العربي، والمسجد ما زال يحمل اسم جدهم. عبد العزيز العثمان - رحمه الله - وفاء له ببعض حقه وفضله عليهم.

ولأن رواد هذا المسجد حالياً أكثرهم من الوافدين غير العرب الذين أكرمهم الله تعالى بالإسلام، وهم لا يجيدون اللغة العربية، فإن خطبة الجمعة والدروس الدينية تلقى فيه باللغة الإنجليزية، وذلك بالتنسيق مع لجنة التعريف بالإسلام.

مسجد جامع بمنطقة الزبير بالعراق:

لم يقتصر خير المحسن عبد اللطيف العثمان على بلده فقط بل امتد إلى الخارج، إلى دولة جارة هي العراق، فأسس مسجداً كبيراً بمنطقة الزبير عام ١٩٦٧م، وقد بنى هذا المسجد للفلاحين والسكان غير المقتدرين على إقامة مسجد يقيمون فيه صلاة الجمعة والجماعة. وهو يتسع لعدد كبير من المصلين، وأشرف على بنائه السيد الفاضل - محمد الحسن - رحمه الله.

وقد أوقف - رحمه الله - لهذا المسجد سبعة بيوت لتكون وقفاً للفقراء المحيطين بالمسجد، ومنها بيتا للإمام والمؤذن، وتقيم في البقية منها بعض الأسر المحتاجة من أهل الزبير.

مسجد بمنطقة الفاوة:

لم يكتف المحسن عبد اللطيف العثمان - رحمه الله - بتأسيس مسجد الزبير، إذ رأى أن أهل منطقة الفاو يحتاجون إلى مسجد أيضاً، فقام بتأسيسه عام ١٩٦٥م، لتهوي إليه قلوب المصلين داعين الله تصاحبه - بألسنة حالهم فضلاً عن السنة مقالهم -بالخير والثواب وحسن الجزاء.

إعانة المحتاجين:

كما عرف عنه - رحمه الله - سخاء يده وتقديمه المساعدة الفورية لمن يحتاجها. سواء في شبابه أو شيخوخته، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يشبع الرجل ذون جاره". رواه أحمد.

ولذا كان - رحمه الله - حريصاً على إعانة المحاجين وتفريج كرب المكروبين. ولم يتوان - رحمه الله - عن تقديم النصح والمشورة والمساعدة لمعارفه ومريديه وخاصة حين بدأ السفر الشراعي في التوقف، حيث لزم النوخذة عبد اللطيف ديوانه في حي القبلة يستقبل أصدقاءه ويقدم المشورة للناس.

الشهامة والنجدة والمروءة:

مما هو معروف عن المحسن عبد اللطيف العثمان - رحمه الله - في ذلك المجال أنه كان يقدم ما يستطيع من المساعدات لمن تنكسر سفينته أو تتعطل يعطب كبير، فلا يرجى من ورائها نفع، فكان يعين صاحبها هو وإخوانه القادرون من الكويتيين على شراء أخرى جديدة، والعجيب في هذا الأمر أن الأموال التي تجمع لهذا الغرض قد تكفي أحياناً لا لشراء سفينة واحدة فحسب، بل سفينتين.

وهذا تطبيق عملي لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زادَ لَهُ قال فذكر مِنْ أَصْنَافِ الْمَال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل" رواه مسلم.

حث الآخرين على فعل الخير:

كان - رحمه الله -بحث أهله وأسرته وأولاده ومعارفه على فعل الخير، عملاً بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث وقومه قال: "ارجعوا فكونوا فيهم وعَلمُوهُمْ وَصَلُّوا فَإِذا حضرت الصلاة فَلْيُؤْذَنَ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤْمكُمْ أكبركُم". رواه البخاري.

كما كان - رحمه الله - حريصاً على إصلاح ذات البين ورأب الصدع بين أفراد أسرته وعائلته ابتغاء مرضاه الله تعالى ومغفرته.

ومن المواقف المؤثرة التي تؤكد حرصه على أداء حقوق البحارة كاملة غير منقوصة بل الدفاع عنهم أمام أي طرف آخر، ما حدث بين النوخذة الكبير المحسن عبد اللطيف سليمان العثمان والتاجر سليمان العبد الجليل، الذي كلفه ينقل بضاعة له من الهند إلى الكويت، واتفقا على سعر معين لنقل البضاعة، فاعتقد سليمان أن السفر سيشمل تكلفة السفينة والبحارة، بينما كان يقصد النوخذة عبد اللطيف أجرة السفر فقط.

فلما تمت عملية النقل أعطاه التاجر سليمان أجرة السفينة فسأله عبد اللطيف عن أجرة البحارة، فقال سليمان اليست داخلة في أجرة السفينة فرد عبد اللطيف: لا يا أخوي هذا حقهم ولا يطالبونك فيه يوم القيامة، فجاء رد سليمان حاسماً فوريا، فدفع ما حدده عبد اللطيف كأجرة للبحارة، قائلاً: (يامعود ... ما أحط شيء بذمتي)، وفي هذا الموقف دلالة واضحة على دفاعه - رحمه الله - عن حقوق بحارته.

فض المنازعات:

لم يقتصر دوره الاجتماعي - رحمه الله - على إصلاح ذات البين داخل أسرته وعائلته فقط بل امتد إلى حيه وأبناء مهنته (البحارة جميعاً)، حتى إنه كان يطلق عليه رجل عرفي، أي العارف بأمور البحر، والذي يقضي ويفضل في المسائل والمنازعات، وبعض الخلافات التي تنشب بين البحارة ونواخذة السفن الخاصة بالتجارة البحرية.

وفي الوقت الذي لم تكن قد ظهرت فيه المحاكم إلى الوجود، كانت هناك لجان أهلية من ذوي الخبرة والدراية تقوم بالنظر في القضايا ذات الاختصاص، وكان يطلق على اللجنة اسم أهل الصنف".

وكان للمحسن عبد اللطيف العثمان - رحمه الله - دور في عضوية لجنة الخلافات التي قد تقع بين النواخذة والبحارة أو بين تجار اللؤلؤ أنفسهم، فقد اكتسب خبرة ودراية، كما اكتسب ثقة الناس به نتيجة السمعة الطيبة التي كان يتمتع بها، ولم تكن هذه اللجان ذات صفة رسمية، لكنها كانت محل اعتزاز وثقة وقبول في كل ما تقضي به من أحكام بين المتخاصمين.

وقد قدرت السلطات الكويتية - في ذلك الوقت - هذا الدور وأجلته واعتمدت على ما يصدر منه من قول أو فعل فيما يعرض، حتى إن الشيخ عبد الله الجابر - رحمه الله كان يوكله لفض أي خلاف أو نزاع بين البحارة، وكان لا يخيب ظنه أبداً.

دوره الوطني:

أدرك - رحمه الله - بناء السور - سور الكويت - وشارك في بنائه للدفاع عن الكويت من هجمات المعتدين بعد معركة الجهراء، هو وأخوه محمد.

تبرعه للجيش المصري :

عند الشدائد تعرف معادن الرجال، ولم يقتصر بر المحسن عبد اللطيف العثمان -رحمه الله - على بناء المساجد والدور الملحقة بها فحسب، بل كان يحرص على فعل الخير في أي مجال يقدر عليه وتصل يده إليه.

ومن ذلك أنه عند وقوع العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦م، من قبل فرنسا وإنجلترا وإسرائيل، سارع - رحمه الله - بالتبرع السخي للجيش المصري، ملبيا نداء الأخوة والإيمان، وذلك ليستكمل الجيش عدته وعدده للدفاع عن البلاد ضد الغزاة المعتدين.

وفاته:

لما بدأ هدم المنازل القديمة في المدينة وترحيل السكان إلى منازل في مناطق خارجها، لزم النوخذة عبد اللطيف منزله ولم يشأ أن يتركه إلا مضطراً، وبعد أن اشتد عليه المرض نقل - رحمه الله - إلى العاصمة البريطانية لندن لتلقي العلاج، لكن جاءه أجله ووافته المنية هناك، وأعاده أبناؤه وأهله ليدفن في أرض وطنه الذي أحبه، في آخر يوم من شهر أغسطس عام ۱۹۷۳م الموافق للثالث من شهر شعبان عام ١٣٩٣هـ، بعد تركه لمنزله القديم بسنوات قليلة، وكان عمره حوالي 101 أعوام.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر:

محسنون من بلدي (سلسلة تشمل السير العطرة للمحسنين الكويتيين)، ج5. بيت الزكاة، 2003.

الموقع الإلكتروني:

https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%205.pdf