عبدالمحسن إبراهيم البابطين

من ويكي خير
محسنون من بلدي
محسنون من بلدي

المولد والنشأة:

هو الشيخ عبد المحسن بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العزيز البابطين من آل صقير من آل عائذ، وهم من بطن كبير من قبيلة قحطان الشهيرة . وقد أنجبت عائلة البابطين عدداً من الفقهاء والعلماء والقضاة الذين كان لهم باع طويل في العلوم الشرعية واللغوية.

كان موطن إقامتهم في روضة سدير بمنطقة نجد هاجر أبوه إبراهيم وعمه عبد العزيز إلى الكويت ومنها إلى الزبير، حيث ولد الشيخ عبد المحسن في مطلع القرن الرابع عشر الهجري ۱۳۰۰ هـ (۱۸۸۲م) كان شديد الرغبة في تلقي العلم، فبعد إلمامه الطيب بمبادئ القراءة والكتابة في الزبير، شرع في القراءة على علمائها الكثيرين آنذاك، ومن أشهرهم الفقيه الشيخ عبد الله بن حمود والشيخ العلامة محمد بن عوجان والشيخ محمد بن دايل.

شعره:

وهو إلى كل ذلك شاعر مجيد، ضليع في الأدب وعلوم اللغة العربية، درس الصرف والنحو والبلاغة على الشيخ عبد العزيز الناصري، ودرس عروض الشعر والفلك على الشيخ محمد بن غنيم، وكان من الشعراء المحافظين على الأصالة الشعرية العربية، له فيها رأي سديد، فعندما سئل عن رأيه في الشعر المنثور أجاب هو مظهر من مظاهر العجز عن الوزن والقافية اللذين هما عماد الشعر العربي، يحاول به أنصاره إخفاء عجزهم فيه بهذه الدعاية المفتعلة.

كان يرحمه الله على صلة علمية وشعرية مع بعض أدباء الكويت وشعرائها وعلمائها ومنهم الشيخ عبد الله بن خلف الدحيان والشيخ محمد بن عوجان والشاعر صقر الشبيب والشيخ عبد العزيز الرشيد وغيرهم من فقهاء الخليج والجزيرة العربية وشعر ائها

أوجه الإحسان في حياته:

كان مفهوم الإحسان لدى رجل مثل الشيخ عبد المحسن البابطين، يتجاوز الجانب المادي البحث، إذ إن الأخلاق الفاضلة كالحياء والحلم والأناة، والصبر والتحمل والكرم والشجاعة، والعدل والإحسان، وما إلى ذلك من الفضائل الخلقية قد جعلها الله سبباً تنال به الجنة العالية.

لذا كانت تصرفاته كلها تمثل أخلاق المسلم، هذا إلى جانب طرحه للتكلف، وبساطة مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه، فضلاً عن مجالسة العامرة بالنافع من البحوث والرفيع من القول المفيد للمسلم في دنياه وآخرته، وتجلت أوجه الإحسان لديه إلى جانب ما ذكرناه أنفاً في ثلاثة مجالات رئيسية:

أولاً : في مجال الدعوة والإرشاد:

كان الشيخ عبد المحسن البابطين من العلماء المجددين والعاملين المجدين في سبيل التنوير الديني والعلمي والاجتماعي، ويعد من أكبر العلماء معرفة بالفرائض والفقه والحديث وعلم الكلام والفلك والحساب والتاريخ والأنساب والأدب وعلوم اللغة العربية.

وكان رحمه الله حنبلي المذهب غير أن فقهه الغزير كان محيطاً بالمذاهب الأربعة يجيب عن فتاوى الناس بمنهج العالم المتمكن، الذي يعتمد التوثيق في كل ما يفتي به إضافة إلى سماحة في الخلق، ومتعة في الحديث وقد حرص على ألا يحبس علمه أو يبخل به على الناس.

فقد كان حيياً لا يرد طالباً في سبيل العلم، يطلب الاستفادة من كتبه، حتى لم يتبق من أصول كتبه شيء يذكر، فقد بذلها جميعاً في سبيل الله.

التزم في حياته البساطة والقناعة، ولم يسع لجني أية مكاسب بعد ظهور النفط في المنطقة، انسجاماً مع مثله العليا، ولأنه وهب نفسه للعلم سواء كان ذلك في سلك القضاء أو في سلك التدريس أو في مجال الإفتاء، فقد كان جمع المال خارج نطاق تفكيره.

كان يقوم إلى جانب منصب القضاء في الزبير بمهام الإمامة والخطابة في جامعها ويجلس فيه للقضاء والفصل بين الخصوم.

صنف عدداً من المؤلفات منها ألفية في الأنساب، ومنظومة في بحور الشعر وقوانينه وصحة النظم وعيوبه، ضاع أغلبها ولم ينشر، وله مجموعة من القصائد والرسائل الإخوانية جمعها الشيخ عبد اللطيف سعود البابطين في ديوان شعري سمي ديوان الشيخ عبد المحسن إبراهيم البابطين، وقد اعتنى بشرحه ووضع حواشيه الأستاذ عبد العزيز العمر العلي.

ثانياً: في مجال القضاء:

أمر الله تعالى المسلم بأن يعدل في قوله وحكمه، ويتحرى العدل في كل شأنه حتى يكون العدل خلقاً له ووصفاً لا ينفك عنه، ويستوجب محبة الله إنَّ : تعالى ورضوانه وكرامته وإنعامه كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: « إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذينَ يعْدِلُونَ في حكمهم وأهليهم وما ولوا» رواه مسلم .

لذا فقد اتصف الشيخ عبد المحسن البابطين بهذه الصفات الكريمة إضافة إلى قدراته العلمية في الفقه والمذاهب والفرائض والكلام والتاريخ، مما أهله للقيام بمنصب القضاء في أكثر من موقع على أكمل وجه .. والقضاء من فروض الكفاية، والقاضي ينوب عن الإمام أو الحاكم في تبيين الأحكام الشرعية، وإلزام الرعية بها.

في عام ۱۳۲۹هـ، عندما أتم تلقي العلوم الشرعية عين قاضياً في ناحية الخميسية بالزبير التي كان سكانها كلهم من أهل نجد.

  • أسند إليه حاكم الزبير الشيخ إبراهيم بن عبد الله آل راشد منصب قضائها، عام ١٣٣٢ هـ ، فكان القاضي العاشر ( قبل الأخير) في سلسلة القضاة الذين تولوا قضاء مشيخة الزبير منذ تأسيسها، وكان القضاء فيها سلطة مستقلة بذاتها وقد رفض الشيخ عبد المحسن رفضاً باتاً تسييس القضاء، لذلك نجده يعتزل عندما دبت الفتنة بين أمير الزبير ومنافسيه من آل زهير ناياً بمكانة القضاء أن تمسها أدنى شبهة من جراء تلك الفتنة السياسية، لكنه عاد إلى القضاء عام ١٣٣٥هـ، بناء على طلب حاكم الزبير، وبقي في هذا المنصب حتى عام ١٣٣٩هـ.
  • في عام ١٣٥١ هـ، عندما أدى فريضة الحج اجتمع برئيس القضاة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ في مكة المكرمة، فعرض عليه القضاء فيها، فلم يقبل إجلالاً لعلمائها وتقديراً لعلمهم.
  • في عام ١٣٥٧ هـ (۱۹۳۸م)، وفي فترة مهمة من تاريخ الكويت، رأى المجلس التشريعي وجوب إحداث تغيير شامل في جهاز القضاء وتوسيع دائرته، حيث كان القضاء ضمن سلطات أخرى في البلاد، بحاجة إلى إعادة تنظيم وتطوير فطلب أمير الكويت الأسبق الشيخ أحمد الجابر الصباح من رئيس المحاكم الشرعية أن يكتب للعلامة الشيخ عبد المحسن البابطين قاضي الزبير السابق رسالة خطية يطلب منه تولى رئاسة القضاء في الكويت لما أحرزه بمعارفه الواسعة وطريقته العلمية في تسيير شؤون القضاء من سمعة عطرة وشهرة كبيرة، وبعد امتناع وتردد شأنه في ذلك شأن العلماء الذين يعزفون عن تولي منصب القضاء لعظم المسؤولية، إذ هو نيابة عن الله تعالى، وخلافة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهذا حذر منه رسول الله صلي الله عليه وسلم ونبه إلى خطورته بقوله: «مَنْ جعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين » رواه الترمذي وصححه - لبى طلب الأمير، وتم تعيينه رئيساً لدائرة القضاء الشرعي بالكويت، فعد الناس ذلك من الأعمال الجليلة التي قام بها المجلس التشريعي.

وتقديراً لأهمية القضاء ومكانة رئيسه الجديد عين الشيخ أحمد الجابر كلاً من الشيخ عبد العزيز بن قاسم آل حمادة والشيخ أحمد عطية الأثري معاونين للشيخ عبد المحسن البابطين، غير أن أحداثاً وتطورات بدأت تتوالى، مما دفع الشيخ البابطين إلى ترك منصبه مبكراً، وهو في بدايات ممارسة عمله، فقد ترك هذا المنصب بعد شهر واحد من توليه.

ثالثاً: في مجال التعليم:

حرص الشيخ عبد المحسن البابطين على المساهمة في نشر التعليم الشرعي في العديد من المدارس في الزبير والكويت، وكثيراً ما كان عمله هذا في سبيل الله ولم يتقاض عليه أجراً .

  • درس اللغة العربية في مدارس الزبير الحكومية بين عامي ١٣٤٥ و ١٣٤٧هـ، وعندما طلبت السلطات من المدرسين ارتداء الزي الإفرنجي استقال وترك التدريس في المدارس الحكومية، اعتزازاً بوقاره وزيه العربي ذي الطابع الديني.
  • انتقل بعدها للتدريس في مدرسة النجاة الأهلية في الزبير التي أسسها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وكان يُدرّس فيها مجاناً احتساباً لوجه الله تعالى.
  • انضم إلى هيئة التدريس في مدرسة «دو يحس الدينية المتخصصة بتدريس علوم الشريعة واللغة العربية وقسم جهوده بينها وبين مدرسة النجاة حتى عام ١٣٥٤هـ.
  • في عام ١٣٥٤ هـ طلب منه عدد من أصدقائه ومحبيه في الكويت وهم : الشيخ عبد الله الخلف الدحيان، والشيخ أحمد بن خميس والشيخ عبد الله الملا، والشيخ عبد الملك الصالح المبيض، والحوا عليه للقدوم إليها للتدريس، فلبي نداءهم محبة في الكويت وأهلها، وتقديراً للعلم ولأصدقائه، فأمر الشيخ عبد الله الجابر الصباحرئيس المعارف آنذاك بتعيينه مدرساً في مدرسة المباركية، فدرس اللغة العربية وعلومها وعروض الشعر والتاريخ الإسلامي، وتخرج على يديه كثير من طلبة العلم، وبقي في عمله هذا إلى أن عينه الشيخ أحمد الجابر الصباح رئيساً لقضاء الكويت.

وفاته

بعد عمر طويل ناهز اثنتين وسبعين سنة قمرية، قضاه الشيخ عبد المحسن البابطين في العمل والكفاح لخدمة وطنه وأهله في الكويت، توفي عام ١٣٧٢هـ الموافق لعام ١٩٥٢م.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر:

محسنون من بلدي (سلسلة تشمل السير العطرة للمحسنين الكويتيين)، ج2. بيت الزكاة، 2001.

الموقع الإلكتروني:

https://www.zakathouse.org.kw/pdfencyclopedia/محسنون%20من%20بلدي%202.pdf